السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية: أود أن أشكر القائمين على هذا الموقع، وأدعو الله أن يجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم.
أنا شاب أعمل مدرسا، وتعرفت على فتاة، تلك الفتاة لم تبد جميلة في البداية، لكن بعد أن تحدثت معها اكتشفت أن شخصيتها تشبه شخصيتي كثيرا، وتعلقت بها، وهي كذلك تعلقت بي.
بعد مدة ندمت، وأدركت أني على خطأ، فتبت إلى الله، واستخرت وقررت أن أطلب يد هذه الفتاة، وافق أهلها وتمت الخطبة، وكان كل شيء على ما يرام، لكن بعد ذلك صرت ألاحظ الكثير من العيوب في شكلها، فصرت حائرا كثيرا، هي ليست قبيحة، لكن ليس هنالك ما يميزها من ناحية الجمال، وكلما يسألني أقربائي عن مدى جمالها أحس بضيق شديد، خصوصا عندما أرى أقاربي من الشباب كلهم اختار زوجة حسناء، ويتفاخر بحسنها.
أشعر كأني تسرعت في الاختبار، وأنه كان بإمكاني اختيار فتاة أجمل، لكن في المقابل أشعر كأني لن أجد روحا تضاهي روح هذه الفتاة، وأخشى أني إن تركتها أن قلبها سيبقى معلقا بي، وستتألم بسببي، وأنا لا أستطيع أن أتخيل أنها تتألم، هذا الموضوع صار يؤرقني، وسبب لي قلقا شديدا.
استشرت بعض الأصدقاء والأقارب، البعض قال إنه يجب علي تركها؛ لأنني سأركز على العيوب أكثر في المستقبل، ولن أعيش سعيدا معها، والبعض يقول إن جمال الروح أفضل من جمال الجسد، وأنني إذا أحببت روحها فإني سأراها أجمل النساء بعد الزواج، وأن الله سيجعل بيننا مودة ورحمة.
صليت الاستخارة عدة مرات، لكن لا زلت مترددا، ولا أدري حتى ما تميل نفسي إليه، فأصلي الاستخارة وأدعو دعاءها، ثم لا أدري ماذا أختار، أخشى إن تزوجتها أن أبقى مركزا على عيوبها وأكرهها وتتأزم علاقتنا إلى أسوأ، وأخشى إن تركتها أن أظلمها ولا أجد روحا مثل روحها.
لقد نغص القلق علي حياتي، أرجو منكم أن تنصحوني، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يصلح الأحوال.
بداية: الإنسان لا يرضى لبنات الناس ما لا يرضاه لأخواته وعماته وخالاته، وهذه الفتاة التي أشرت إليها شعرت أن بينكما توافقا، والتوافق في الأرواح هو الأغلى؛ لأن جمال الجسد عمره محدود، لكن جمال الروح بلا حدود، والتلاقي كذلك بالأرواح، وهي: (جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
وعليه، نحن نميل إلى الإكمال مع الفتاة التي أعجبت بجمال روحها، وتوافق شخصيتها معك، وننصحك بأن تغض بصرك، فإن الإنسان إذا غض بصره اكتفى بما عنده من الخير، أما إذا أطلق بصره فإن هذا سيتعبه، وكان ابن القيم يتمثل بقول القائل:
فإنك متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
فليس لك -وقد أكرمك الله بخطبة هذه الفتاة- أن تنظر إلى غيرها، وهذا من المعاني المهمة، وحتى الفتاة المخطوبة ينبغي أن تعجل بإتمام وإكمال مراسيم الزواج.
وأما مسألة اختلاف الآراء حول جمالها، فأنت الذي ستعيش مع هذه الفتاة، ونحن نميل إلى الذين قالوا إن جمال الروح هو الأصل، وهو الذي يبقى ويثمر التوافق في هذا الجانب، خاصة وقد أشرت إلى أنها جميلة، وإن لم تكن ذات جمال متميز، والكمال محال، فإن الله يعطي الإنسان شيئا ويأخذ منه آخر.
ولذلك الإنسان لا بد أن ينظر نظرة شاملة: ليس لمجرد الجمال، لكن ينظر إلى الدين، وينظر إلى العقل، وينظر إلى الوعي، وإلى المهارات التي عندها، وإلى البيت الذي ارتبط به، فهذه أمور لا بد أن تؤخذ كلها في الاعتبار، وإلا لو نظرنا فقط إلى الكمال فإننا لن نجده لا في الرجال ولا في النساء، فنحن بشر، والنقص يطاردنا، والنبي ﷺ يعطي معيارا واضحا فيقول: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر.
نسأل الله أن يعينك على الخير، والذي نميل إليه هو أن تكمل المشوار مع هذه الفتاة، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يرضيك ويغنيك بحلاله عن الحرام، هو ولي ذلك والقادر عليه.