زوجي هجرني ويسيء معاملتي أمام أولادي، فكيف أتصرف؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فضيلة الشيخ الكريم، حفظكم الله ونفع بكم، وجزاكم عن المسلمين خير الجزاء.
أما بعد:

فإني أكتب إليكم هذه الرسالة وأنا في حال من الحزن والضيق الشديد، وأطلب منكم نصيحة شرعية صادقة، تضيء لي طريقي في هذا الظرف الصعب الذي طال أمده.

أنا امرأة متزوجة، وكنت أصبر منذ سنوات على سوء معاملة زوجي، الذي عرف عنه الغرور، والأنانية، والتسلط، وتعمد الإهانة لي، خصوصا أمام أطفالي، وفي إحدى اللحظات -وبعد استفزاز شديد منه أمام أبنائي- قلت له: أنت علي كظهر أبي. فغضب، وأقسم أنه لن يعود لي أبدا.

ندمت بعدها، وطلبت منه العفو، بل عرضت أن أكفر بالصيام، لكنه رفض، ومنذ ذلك الوقت – وقد مضى على ذلك الآن سنة ونصف كاملة – وهو يرفض تماما أي علاقة بي، لا يكلمني، لا يسأل عني، ولا يتواصل معي كزوج، بل غادر إلى بلدنا الأصلي، وسمعت من أبنائي أنه على علاقة بامرأة تصغره بـأربع وثلاثين سنة، وينوي الزواج منها.

الأمر لم يتوقف عند الهجر، بل أصبح يصرح أمام أبنائه أنه لا يعتبرني زوجته، ويقول لهم: هي بمثابة أختي، ومع كل ذلك، يصر على الدخول إلى البيت بالقوة بحجة أنه يدفع الإيجار، بينما أنا رافضة تماما لذلك، لأنه لم يعد بيننا أي ميثاق زوجي فعلي، ووجوده يسبب لي ولأبنائي أذى نفسيا شديدا.

والأشد من ذلك، أنه أصبح يفتن بيني وبين أبنائي، ويشوه صورتي، ويستخف بي أمامهم، حتى بدأت العلاقة بيني وبين أولادي تتأثر سلبا، وأخشى أن أفقدهم نفسيا بسبب ما يصنعه والدهم.

فضلا عن ذلك، فإنه قد استغلني ماليا، وأخذ مني مالا وجهدا كبيرا دون أن يعيده أو يعترف بحقي، ويرفض إعطائي مالي حتى الآن.

أرجو منكم بيان الحكم الشرعي في وضعي هذا، وأسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء، ويثبتنا وإياكم على الحق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يعيد الألفة والمحبة بينكما إلى قديم عهدها.

وما وضعته من استفسارات -أيتها الكريمة- في استشارتك هذه، يمكننا أن نقدم لك العون والإفادة فيها في النقاط التالية:

أولا: ما صدر منك من كلمات الظهار، كقولك أنت لزوجك: "أنت علي كظهر أبي"، لا يترتب عليه شيء من الأحكام، وهو –كما يسميه العلماء– لغو من الكلام، يعني كلام لا يعتد ولا اعتبار به شرعا، لأن التحريم والظهار في يد الزوج وليس في يد الزوجة، فقولك أنت لهذا الكلام لا يترتب على شيء، ولا يحتاج إلى كفارة.

لكن ربما أحدث في نفس زوجك أثرا، لأنه قد يفهم منه استغناؤك عنه، وعدم حاجتك إليه، وعدم حبك له، أو البرود العاطفي، ونحو ذلك من المشاعر التي قد يغرسها هذا الكلام في قلبه.

وقد أحسنت حين بادرت بالاعتذار وطلب العفو، وننصحك ألا تملي من ذلك، بل اجتهدي في اتباع الأساليب التي تعبرين بها عن حبك لزوجك، وتعلقك به، وأنه بالنسبة لك هو الشيء الثمين والشيء الغالي، حاولي أن تعيدي هذه المشاعر إلى قلبه، لأن ذلك يدعو إلى الألفة والمودة بينكما.

وكوني على ثقة من أن الطرف الذي يتنازل من الزوجين، هو الأكثر فضلا والأكثر ثوابا عند الله تعالى، فإن الله تعالى يحثنا على ألا ننسى الفضل بيننا، فقال: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، وقال نبيه -صلى الله عليه وسلم- في شأن المتخاصمين: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

فالشرع يحثنا ويرغبنا في إصلاح العلاقات فيما بيننا، وأن من تنازل عن بعض حقوقه وتواضع وتغاضى؛ فإن الله تعالى يخلف عليه ويعوضه عن كل شيء يتركه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

حاولي أن تستعيني بكل وسيلة ممكنة للتأثير على زوجك، مثل أن تغرسي في أولادك القناعة بأنك حريصة على بقاء الوالد معنا في البيت، وأن ينقلوا له هذه الصورة الجميلة، وإذا حاول هو أن يتمنع أو يبتعد لفترة، فإننا نعتقد أن الكلام الطيب واتباع الأسلوب الحسن سيؤثر فيه يوما ما.

وقد أمرنا الله تعالى بالتعامل بالحسنى ورد الإساءة بالحسنة حتى مع العدو، ووعد بأن ذلك قد يقلب العدو صديقا حميما، فكيف إذا كان ذلك بين الزوج والزوجة؟ قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ۚ ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.

أما ما ذكرته من الحقوق المادية، فإن كانت ديونا لك على زوجك، أعطيتها إياه دينا عليه؛ فهذا لا يزال حقا ثابتا لك، ولك الحق في المطالبة به، ولكن نصيحتنا أن تسكتي عن المطالبة به حتى تتحسن العلاقة بينكما، وتعود إلى سابق عهدها أو يقرب من ذلك، وحينها يمكنك أن تطالبي بهذه الحقوق بطريقة هادئة، بأن تظهري الحاجة إليها، أو نحو ذلك، وتستعيني بمن يؤثر على زوجك، وبهذه الطريقة تحفظين زوجك وستردين حقوقك.

أما إذا كانت هذه الحقوق التي تتكلمين عنها عبارة عن هبات، أو إعانات قدمتها في أي فترة لزوجك وأخذها منك، فهذه الهبات بعد أن قبضها الزوج ليس لك الحق في المطالبة بها، فالعائد في هبته كما قال الرسول ﷺ: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.

نحن نصيحتنا -أيتها الكريمة- أن تتعاملي مع زوجك بالتغاضي ولو أن تتنازلي عن بعض الحقوق – سواء كانت مادية أو معنوية – من أجل بقاء الأسرة مجتمعة، وقد أرشد الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير}، فالصلح خير من الفراق.

هذا كل الذي قلناه إنما قلناه على جهة النصح والإرشاد إلى ما هو أفضل وما هو خير للأسرة، وإلا فإن كانت المسألة عند تقاضي الحقوق وطلب كل واحد لحقه؛ فمن حقك أن تطالبي بحقوقك المالية، وأن تقاضي زوجك على ذلك، ولكن هذا قد لا يؤدي إلى النتائج المرجوة؛ خاصة إذا كنت لا تملكين إثباتات، أو مستندات تدعم موقفك.

فنسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الصلاح لك ولزوجك ولأولادك، وأن يختار لك الخير ويقدره لك حيث كان.

مواد ذات صلة

الاستشارات