أميل إلى المثالية وأخاف من الموت والمستقبل، فما توجيهكم؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ سبعة أشهر من مشكلة أثرت في حياتي بشكل كبير، بدأت عندما رأيت منشورات متكررة عن وفاة شباب في مثل سني، فتولد لدي خوف شديد، أشبه بالخوف المرضي، وأصبت بعدها بنوبات هلع متكررة، وكنت أظن أنني سأموت في أي لحظة.

ذهبت إلى الطبيب، فطمأنني وقال إن الأمر بسيط، ووصف لي دواء "مودابكس" 50 ملغ، وبالفعل شعرت بتحسن واضح، لكنني في تلك الفترة كنت في حالة يأس شديدة، ولم أكن أقر بهذا التحسن، بل ظللت خائفة ومضطربة، وكنت أظن أنني فقدت عقلي، ولا أدري ما الذي أصابني.

قبل هذه الأزمة، كنت فتاة متفائلة جدا، لدي أحلام وطموحات، وأريد أن أعيش حياتي بشكل كامل، لكني لا أعلم ماذا تغير فجأة، وأصبحت كثيرة التفكير في الموت، وأشعر أن ذهني مشتت وشارد دائما.

رغم أنني شخصية اجتماعية بطبعي، وخيالي واسع جدا، وربما لهذا أعاني من القلق والتفكير الزائد.

أمر آخر أود ذكره: أنا لا أصلي بانتظام، وأجد صعوبة في المداومة على الصلاة، ولم أكن أرتدي الحجاب سابقا، لكن ما مررت به جعلني أرتدي الحجاب، وما زلت ملتزمة به والحمد لله. لكن حتى ذلك بات يقلقني؛ إذ تأتيني أفكار مؤلمة، كأن الله ألهمني الحجاب لأن أجلي اقترب – والعياذ بالله – وهذه الفكرة ترعبني.

كما أنني أميل إلى المثالية أمام الناس، ولا أعرف سبب ذلك، وربما يكون من أسباب توتري.كلما أتتني فكرة أو سيناريو في ذهني، ينتهي بي المطاف بالتفكير في الموت، فيرعبني الأمر، ويقلقني كثيرا! لا أعلم لماذا حدث لي كل هذا عندما بلغت الحادية والعشرين من عمري -تحديدا-؟!

أعتقد أن أكبر ما يؤرقني الآن هو الصراع بين نظرتي السابقة للحياة، التي كانت مليئة بالتفاؤل، وبين محاولتي الحالية لبناء نظرة جديدة أكثر توازنا، لكنني أخشى أن تؤثر هذه المرحلة علي على المدى الطويل.

كنت في الماضي شخصية قوية، أتحمل الكثير من الضغوط، أما الآن فأصبحت هشة نفسيا، وأشعر أحيانا أن روحي فارغة – لا أعلم إن كان هذا التعبير دقيقا، لكنه الأقرب لوصفي.

أعتذر عن الإطالة، لكنني قلقة جدا على نفسي، وأحتاج إلى التوجيه والمساندة.

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا على رسالتك التي تناولت مشكلة الوساوس المتعلقة بالمستقبل، والخوف من المرض والموت.

من خلال رسالتك، يتضح أنك تعانين بشدة من القلق المفرط ونوبات الهلع، ومع ذلك، فقد لفت انتباهي في حديثك وجود العديد من الإيجابيات التي تستحق التقدير.

أرى أنك قد بدأت بالفعل السير في الاتجاه الصحيح، ومن ذلك التزامك بالصلاة، وحرصك على الحجاب رغم صعوبة التحديات المحيطة بك، وخاصة بين الصديقات، وهذا الاهتمام يعد خطوة مباركة، أسأل الله أن يوفقك فيها، وأن يجعلها من أسباب شفائك وتوازنك النفسي.

أختي الفاضلة، كثير من الناس يمرون في فترة من حياتهم بأعراض تشبه ما ذكرت، وهي تدخل غالبا تحت مظلة "اضطرابات القلق"، والقلق مصطلح واسع يشمل أنواعا متعددة من المخاوف، منها نوبات الهلع، والوساوس، والتوتر المستمر، لكنها -بحمد الله- كلها حالات قابلة للعلاج، ويمكن الاستشفاء منها تماما.

ومن الأمور الإيجابية التي ذكرتها، أن أحد الأطباء وصف لك دواء (مودابكس، Moodapex) شعرت بتحسن معه، ولكن لم توضحي ما إذا كنت لا تزالين تستخدمينه أم توقفت عن العلاج؟ وهنا أؤكد أن العلاج الفعال يعتمد على مسارين متكاملين:

أولا: المتابعة مع الطبيب النفسي المختص، والذي يمكنه تقييم حالتك بدقة، ووصف العلاج الدوائي المناسب إن احتاج الأمر، مع ضبط الجرعة وتوقيتها بما يقلل من الآثار الجانبية ويضمن فعالية العلاج. وهنا أود أن أطمئنك أن اللجوء للطبيب النفسي لا يعني أنك "مجنونة" كما قد يظن البعض - وهذا تصور خاطئ وشائع - بل على العكس، القلق واضطراباته من أكثر المشكلات النفسية شيوعا، وعلاجها متوفر وفعال.

ثانيا: العلاج النفسي والاجتماعي، وهو ركيزة مهمة جدا في التعامل مع القلق، ومن أنجح أنواعه ما يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهو علاج يركز على تصحيح الأفكار السلبية التي تسيطر على الذهن وتترجم إلى نوبات من القلق أو الخوف أو الهلع، وهذا النوع من العلاج النفسي يساعد بشكل كبير على تغيير النظرة إلى الحياة، واستعادة القدرة على التكيف مع الضغوط وظروف الحياة المختلفة، ومقاومة نفسية أقوى للاضطرابات النفسية في المستقبل.

ولا يفوتني أن أذكرك بأهمية العودة إلى عبادة الله تعالى، والمحافظة على الصلاة، فهي الصلة بين العبد وربه، و(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، كما جاء في الحديث. ونوصيك كذلك بالمواظبة على الأذكار اليومية؛ فذلك من أعظم ما يورث القلب طمأنينة، ويملأ الفراغ الروحي الذي قد يكون سببا في الوساوس والقلق. فالرجوع إلى الله هو دائما البداية الحقيقية لحياة أكثر توازنا وراحة، تعيد للمرء استقراره النفسي ورضاه الداخلي.

وكل ذلك – بإذن الله – سيكون داعما لك، ومصدرا للسكينة التي تتوق إليها روحك، وسيكون من العوامل التي تملأ ذلك الفراغ الذي تشعرين به.

ومن المؤكد أن هذا كله يعزز في نفسك حقيقة أن الحياة جزء أصيل من مقاصد الدين، وأنها من أعظم نعم الله علينا، تستحق أن نعيشها بروح ملؤها الإيمان والأمل، لا بالخوف المستمر من الموت، ولا بالانشغال المرهق به. بل المطلوب منا أن نسلم الأمر لله، ونعمل بما في وسعنا، ونترك ما لا نملك، سائلين الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وسكينة القلب، وطمأنينة الروح.

ولمزيد من الفائدة راجعي هذه الروابط: (24251 - 2133618 - 55265).

وفقك الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات