أقدمت على عدة أمور بعد الاستخارة ووقع ما لا أرضاه، فما السبب؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا معتاد على الاستخارة، وبفضل الله ومنته أستخير في أغلب أمور حياتي الصغيرة والكبيرة، ولكن أحيانا أستخير، وبعد الإقدام على الأمر يظهر لي عدم التوفيق، وتحدث لي خسارة مادية أو معنوية.

على سبيل المثال: استخرت الله للسفر إلى بلد معين عن طريق شخص معين، وكررت الاستخارة أكثر من مرة، وأكثرت من الدعاء، ثم أعطيته النقود، فأخذها وهرب.

ومرة أخرى استخرت الله للسفر إلى بلد بقصد العمل، وتيسرت أمور السفر، لكن بعد الوصول بفترة قصيرة، وقعت في مشاكل، وتراكمت علي الديون والهموم بسبب هذه السفرة.

حتى إنني لا زلت أعاني من الدين بسببها، حتى وصل بي الحال إلى أنني لا أملك ثمن تذكرة للرجوع إلى بلادي، فضلا عن الدين الذي تراكم علي بسبب تكلفة الفيزا، ومصاريف أخرى، حتى إن الشيب قد زاد في رأسي فجأة من شدة الهم والمشاكل التي وقعت بها في هذا البلد.

مع أنني -ولله الحمد والمنة وبفضل الله-، أصلي الفرائض، وأغلب السنن، فكيف يحدث لي هذا؟ لقد استخرت، وكانت أمور الفيزا ميسرة، ثم بدأت المشاكل بعد الوصول.

مع العلم أن وضعي في البلد الذي كنت أعمل فيه كان مقبولا وميسرا إلى حد ما، ولكن من باب السعي للأفضل قررت السفر، فكيف حصل معي ذلك؟

وهل يصح حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار"؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، ويقدره لك حيث كان، ويرضيك به.

أولا: نحب أن نهنئك -أيها الحبيب- بما من الله تعالى به عليك من التوفيق للرجوع إليه، وتفويض الأمور له، حين تريد أمرا من أمور حياتك، فدوام استخارتك لله تعالى، ولزومك سلوك هذا الطريق، دليل على تعلق القلب بالله، فنسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير.

ثانيا: اعلم أن دعاء الاستخارة دعاء كغيره من الأدعية، قد يستجيبه الله تعالى، وقد لا يستجيبه لمانع يمنع من الاستجابة، وموانع الاستجابة ترجع إلى الإنسان نفسه، فبكسبه وعمله يحال بينه وبين استجابة الله تعالى لدعائه.

فإذا حرم الإنسان إجابة الدعاء، فينبغي أن يرجع إلى نفسه ويحاسبها، وينظر في صحيفة أعماله؛ فربما كان الحرمان من إجابة الدعاء تنبيها له، وإيقاظا من غفلة، فيرجع إلى الله تعالى، ويكثر من التوبة والاستغفار.

فالله تعالى رحيم بعباده، لطيف بهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم، وقد يسوق إليهم الخير في صور خفية، وهذا هو معنى اللطف، فالله تعالى لطيف، وقد يأتي بالمنح والهبات في صورة أضرار ومصائب.

فينبغي أن يكون الإنسان راضيا بتدبير الله تعالى وتقديره، منتفعا بما يقدره الله عليه من نكبات ومصائب، لتكون إنذارا وتنبيها وإيقاظا.

وينبغي أن يعلم هذا الإنسان أنه مهما فعل، فإنه لن يوفي مقام العبودية حقه، ولن يقوم لله تعالى بما يجب عليه، فلا يجد طريقا ولا ملجأ إلا اللجوء والإكثار من الاستغفار، وإعلان التقصير، وطلب التوبة، والعفو من الله تعالى.

وإذا كان الأنبياء يقولون، كما نقرأ نحن في القرآن في قصة يونس -عليه الصلاة والسلام- بعد أن وقع فيما وقع فيه من الغم، قوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، فإن إقراره لله تعالى بالتنزيه والتسبيح معناه: تنزيه الله تعالى عن كل نقص، والتحميد معناه إثبات الكمال لله تعالى؛ فقد أقر بألوهية الله وربوبيته، وحسن تدبيره لخلقه، وأقر بأن الله تعالى منزه عن النقص والظلم، ثم عاتب نفسه ورجع إليها، فقال: {إني كنت من الظالمين}، فاستجاب الله تعالى له.

وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن إذا وقع في غم أو هم؛ أن يرجع إلى نفسه، فينظر في أعماله، ويكثر من التوبة من كل الذنوب، سواء أكانت من الذنوب التي يعلمها أو لا يعلمها، أو مما يذكره أو لا يذكره؛ فما أكثر الذنوب، وقد قال الله تعالى: {أحصاه الله ونسوه}.

فأكثر من التوبة، وأكثر من الاستغفار، وحاسب نفسك على أداء فرائض الله تعالى، فرائض الفعل وفرائض الترك.

ثم بعد هذا كله، قد يبتلى الإنسان بالحرمان من بعض الأرزاق، أو ببعض المصائب، رغم استقامته مع الله تعالى في عبادته وأداء حقوقه؛ وذلك لأن الله تعالى قد علم أنه لا يبلغ المنزلة التي أرادها له في الآخرة بمجرد عمله، فيبتليه بأنواع من المصائب، ليبلغه تلك الدرجة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو حديث صحيح، كما قال الألباني: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل".

فالله تعالى رحيم بك، لا يقدر لك إلا الخير، فأحسن علاقتك بالله، وحاسب نفسك على الدوام، وأكثر من التوبة والاستغفار، وكن حريصا على ما ينفعك، واستخر الله تعالى فيما تقبل عليه، وشاور العقلاء من عباد الله، ثم امض واختر ما تراه صالحا لك.

فإذا يسره الله تعالى لك، فذلك هو الخير، وإن تعرقلت أمورك، فاعلم أن الله أراد أن يحجزك عن ضرر لا تعلمه، كما قال تعالى في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

أنت لا تدري لولا أن الله تعالى حبسك بهذه النكبات التي تراها أنت مصائب، وقيدك عن المضي قدما نحو أمور ربما فتحت عليك الدنيا، وكانت ضررا أو شرا عليك، فما يدريك أن الله قد قدر لك الخير من حيث لا تعلم؟

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات