السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتردد كثيرا على موقعكم المبارك، وأطلع على الاستشارات التي تشبه حالتي، فتطمئنني إجاباتكم الحكيمة، ويريحني أسلوبكم الرفيق مع السائلين، فبارك الله فيكم، وأجزل لكم المثوبة والعطاء.
أعاني من مرض الوسواس القهري منذ خمسة عشر عاما، وقد تطور تدريجيا حتى أصبت باكتئاب مزمن، وقد شخص حالتي أحد الأطباء النفسيين، وقبل ذلك كنت أدرك ما أعاني منه؛ لأنني أقرأ كثيرا عن الاضطرابات العقلية والنفسية.
ومن سمات شخصيتي: القلق، والتوتر، والحساسية المفرطة، إضافة إلى الخجل الشديد، وهو ما يؤدي إلى مشكلة أخرى أعاني منها، وهي الرهاب الاجتماعي، الذي يسبب لي الكثير من المتاعب
مؤخرا ازدادت حدة الاكتئاب لدي، وأصبحت غير قادرة على التركيز أو الحفظ، علما أنني مقبلة على امتحان مصيري بعد أيام قليلة، ولا أجد في نفسي الرغبة أو الدافعية لفعل أي شيء عموما.
كما أنني أعاني من نقص في مخزون الحديد، وفيتامين D؛ مما يسبب لي الإرهاق والتعب المستمرين، وأجد صعوبة بالغة في الاستيقاظ من النوم.
وأشير إلى أنني منذ طفولتي، أشعر بالاختلاف عن أقراني، وكأنني متأخرة عنهم، وبطيئة في الاستيعاب، وقد ازداد هذا الشعور في الفترة الأخيرة؛ بسبب عدم قدرتي على التركيز، أو الحفظ مهما حاولت.
كما أود أن أنبه إلى أنني لم أتابع العلاج مع الطبيب النفسي الذي ذكرته سابقا، ولم أتناول الدواء الذي وصفه لي.
ومن الأمور التي ساهمت في ظهور الاكتئاب لدي: تعامل والدي معي بعد أن غيرت تخصص دراستي في الجامعة، فقد أصبح ينظر إلي بنوع من العتاب، دون أن يصرح بشيء، مما أثر في نفسيتي، وأثر حتى على رغبتي في التخصص الجديد، الذي كنت في البداية أحبه، فأصبحت لا أهتم بدراستي كثيرا، وضعفت ثقتي بنفسي.
أثق في علمكم، وأرجو أن تساعدوني في الخروج من هذا النفق المظلم، لقد فقدت الرغبة في الحياة، ولم أعد أشعر بالمتعة في أي نشاط أقوم به.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
رسالتك واضحة جدا، وهي رسالة معبرة وحسنة الصياغة والترتيب، وهذا يدل على قدراتك المعرفية العالية -ما شاء الله-، فهي في مستوى ممتاز، ولا يوجد ما يدعوك إلى التفكير في أنك متأخرة عن أقرانك، أو بطيئة الاستيعاب؛ فذلك مجرد شعور سلبي يهيمن عليك منذ وقت مبكر، وهو جزء من الحالة الاكتئابية الواضحة التي تمرين بها حاليا.
الاكتئاب مرض يعالج بصورة فعالة جدا -بإذن الله تعالى-، وشخصيتك تحمل سمات القلق، والتوتر، والحساسية، وكذلك الخجل، وهذه السمات نراها كثيرا فيما يعرف بالقلق الاكتئابي.
وما تعانين منه ليس اكتئابا عميقا أو مطبقا، لكنه بالفعل يحتاج إلى علاج؛ لأنه أفقدك الدافعية والرغبة، وهما من الأعراض المهمة التي نركز عليها كثيرا؛ لأنها تضعف الأداء الوظيفي والقدرة على الإنتاج عند الإنسان.
من المفيد جدا أن تراجعي طبيبا نفسيا، وأنا متأكد أنه سوف يصف لك أحد مضادات الاكتئاب الفعالة والسليمة -بإذن الله-، إلى جانب الإرشادات النفسية الأخرى.
ومن ناحيتي أقول لك بوضوح: أنت محتاجة لدواء، وهذا أمر لا تردد فيه؛ لأن الجوانب البيولوجية في نوعية الأعراض التي تشتكين منها معروفة ومثبتة، وأقصد بالجوانب البيولوجية، هي الجوانب المتعلقة بكيمياء الدماغ.
من الأدوية الممتازة جدا، والتي سوف تساعدك دواء يسمى (اسيتالوبرام، Escitalopram)، هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريا (سيبرالكس Cipralex)، وربما تجدينه في بلادكم تحت مسميات تجارية أخرى.
الجرعة هي أن تبدئي بنصف حبة من الحبة التي تحتوي على 10 ملغ، أي 5 ملغ يوميا، وتستمري على هذه الجرعة لمدة 10 أيام.
بعد ذلك اجعلي الجرعة 10 ملغ يوميا لمدة شهر واحد، ثم ارفعيها إلى 20 ملغ يوميا، وهي الجرعة العلاجية التي ينبغي الاستمرار عليها لمدة شهرين.
بعدها تخفض الجرعة إلى 10 ملغ يوميا كجرعة وقائية لمدة ثلاثة أشهر، ثم 5 ملغ يوميا لمدة أسبوعين، ثم 5 ملغ يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
كما تلاحظين، هو دواء واحد فقط، وهو دواء ممتاز في علاج الاكتئاب، والمخاوف، والوساوس، كما يحسن المزاج، -وبإذن الله- يعزز الدافعية من خلال هذا التحسن المزاجي. وهو غير إدماني، ولا يسبب التعود، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، قد يكون له أثر جانبي واحد محتمل، وهو زيادة بسيطة في الشهية نحو الطعام، ويمكن التغلب على ذلك بسهولة -إن شاء الله-.
أيتها الفاضلة الكريمة: بجانب العلاج الدوائي، ينبغي التركيز على الجوانب الاجتماعية والسلوكية، وأهم نقطة هنا هي تنظيم الوقت، وأساس تنظيم الوقت هو النوم الليلي المبكر، وتجنب السهر، هذا أمر مهم جدا.
كذلك الاستفادة من فترة الصباح بعد صلاة الفجر؛ لأن البكور فيه خير كثير، والإنسان حين ينام مبكرا يحدث نوع من الترميم في خلايا الدماغ، ويكون الإنسان مقبلا على الحياة، فمثلا: إذا بدأت مذاكرتك بعد الصلاة مباشرة، ولو لساعة واحدة، فهذا أفضل من الدراسة ثلاث ساعات في بقية اليوم، هذا الكلام لا مبالغة فيه أبدا، وهو مجرب، فإذا، تبدئي على هذه الشاكلة:
- النوم المبكر والاستيقاظ المبكر.
- الصلاة ثم المذاكرة، واستغلال البكور في الدراسة.
وبعد ذلك أديري بقية اليوم حسب متطلبات الحياة والدراسة، وعلى مستوى التفكير يجب أن تكوني إيجابية، وتستفيدي من قوة الآن لا من ضعف الماضي، الماضي قد انتهى، والحاضر نستطيع أن نتحكم فيه، لذا هو أقوى، وكوني مجتهدة، وكوني مثابرة، وكوني إيجابية، وارفعي درجة النفسية عندك والمثابرة، وكما ذكرت لك سلفا: تنظيم الوقت والنوم الليلي المبكر هي النقطة الجوهرية لأن ينجح الإنسان في إدارة وقته وحياته.
- ضعي أهدافا واضحة في حياتك.
- خططي للآليات التي توصلك إلى أهدافك.
- احرصي على ممارسة رياضة المشي، فهي من أفضل الرياضات المحفزة.
- وطبعا لا بد أن تتناولي فيتامين (د)، وكذلك الحديد، هذه مركبات مهمة جدا.
وبهذه الكيفية -إن شاء الله- يمكنك تحقيق ما تريدين، ونسأل الله تعالى لك الصحة، والعافية، والشفاء، والتوفيق، والسداد.