السؤال
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مريض يعاني من حركات لا إرادية تستمر لساعات في جميع أنحاء الجسم، أحيانا في منطقة الكتفين أو الجذع، وأحيانا في اليدين والقدمين أيضا، مع إحساسه بخيوط داخل الجسد تشتد وتنتقل من مكان إلى آخر.
ويتحدث المريض قائلا إنه لا يستطيع السيطرة عليها، وإنه يتماشى مع هذه "الخيوط" حتى لا يحدث خلل أو ألم في جسمه، ويقوم أحيانا ببسط ومد ذراعيه وساقيه، علما أن المريض كبير في السن.
التاريخ المرضي:
كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وقد داوم على أدوية الضغط لعدة أشهر، ثم اتبع نظاما غذائيا نصح به أحد الأطباء، فتوقف عن تناول الأدوية.
لاحقا، ظهرت عليه أعراض في القولون، حيث كان يشعر – بحسب وصفه – وكأن حشرات صغيرة تتحرك داخل بطنه، وأجري له منظار، وكانت النتيجة أن القولون سليم، مع وجود بعض الرتوج فقط.
طلب أحد الأطباء تحليلا خاصا بمرض الذئبة الحمراء، وأظهرت النتائج وجود نسبة بسيطة من الذئبة، فصرفت له أدوية، لكن في الفحص الثاني لم يظهر وجود للذئبة.
في النهاية: توجه بعض الأطباء إلى خيار الرقية والعلاج النفسي، وتم صرف أدوية مضادة للذهان، وأظن – حسب اجتهادي – أن الحركات اللاإرادية بدأت بسبب هذه الأدوية، وقد توقف عنها منذ سنة تقريبا.
أما الآن؛ فهو يرفض تناول جميع أنواع الأدوية، ويقول إنها تسبب له ألما في المعدة، ويخاف من عودة آلام القولون.
العلة الحالية: حركات لا إرادية بصورة مستمرة.
نعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا جزيلا على رسالتك التي اطلعت عليها، والتي تتحدث فيها عن شخص آخر يعاني من حركات لا إرادية في مختلف أنحاء الجسم، وأحيانا تتركز هذه الحركات في منطقة البطن، والخصر، والساقين، إضافة إلى شعور بوخز، أو تنميل في مناطق متفرقة من الجسد.
بداية: أود أن أشير إلى أن الأعراض التي ذكرتها تشير إلى وجود اضطراب عصبي أو وظيفي محتمل؛ ولذلك فإن هذه الحالة تتطلب تقييما طبيا دقيقا، ولا يمكن الاكتفاء بتفسيرها من زاوية نفسية فقط، أو معالجتها بالرقية أو الأعشاب أو أدوية نفسية بدون تشخيص واضح.
عدم ذكر تاريخ مرضي مفصل في رسالتك يجعل من الصعب تحديد السبب بدقة، لكن ما هو واضح أن هذه الأعراض ليست عابرة، وتستدعي في المقام الأول عرض المريض على طبيب مختص في الأمراض العصبية (أعصاب)، هذا مهم جدا قبل التفكير في أي تدخل نفسي أو دوائي نفسي.
فالحركات اللاإرادية قد تكون ناتجة عن عدة أسباب عضوية مثل:
• اضطرابات في الدماغ، أو الجهاز العصبي المركزي.
• مضاعفات لبعض الأدوية.
• اضطرابات كهربائية في المخ.
• أو حتى متلازمات عصبية معروفة مثل (متلازمة توريت) أو (الرقص الدماغي - Chorea).
أما من الناحية النفسية؛ فبعض الحركات اللاإرادية قد تكون ناتجة أحيانا عن حالات مثل القلق، أو التوتر الشديد، ولكن لا ينبغي أن نسارع إلى هذا التفسير إلا بعد استبعاد السبب العضوي العصبي تماما.
ذكرت أيضا أن المريض استخدم حبوب الذهان، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الأدوية النفسية -مثل مضادات الذهان- قد تسبب آثارا جانبية حركية، كالرعشة، أو الحركات اللاإرادية المعروفة باسم "الأعراض خارج الهرمية" (Extrapyramidal Symptoms)، وقد تستمر هذه الأعراض لفترة حتى بعد إيقاف الدواء؛ ولذلك من المهم أن يقيم أثر الدواء على الحالة من قبل طبيب مختص.
في كل الأحوال، أنصح بما يلي:
1. لابد من عرض المريض على طبيب أعصاب في أقرب فرصة؛ لتقييم الحالة سريريا، وربما طلب بعض الفحوص مثل تخطيط الدماغ، أو تصوير الرنين المغناطيسي.
2. بعد استبعاد الأسباب العضوية العصبية؛ يمكن –إذا استدعى الأمر– تحويل المريض إلى طبيب نفسي لتقييم الجانب النفسي من الحالة.
3. يفضل عدم استخدام أدوية نفسية جديدة دون إشراف مباشر من طبيب مختص؛ لأن بعض هذه الأدوية قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة إذا لم تستخدم في الموضع الصحيح.
أخيرا: إن كان لدى المريض أي أعراض مرافقة كآلام القولون، أو اضطرابات النوم، أو القلق؛ فهذه يمكن التعامل معها ضمن الخطة العلاجية بعد التشخيص النهائي، سواء بالأدوية أو بالعلاج النفسي السلوكي.
والله الموفق.