السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني كثيرا من السرحان في صلاتي، وأعلم أن الشيطان لن يتركني، لكنني كثيرا ما أخرج من الصلاة دون أن أعلم ماذا قلت، أو أتذكر شيئا منها، أريد أن أصلي بخشوع، لا أن أخرج من الصلاة وكأنني كنت في حالة تيه، أو كأنني سكران، علما بأن هذا الأمر كان يحدث لي أثناء دراستي، أو عند استماعي لمحاضرة، وقد بدأ يحدث مؤخرا حتى في حديثي مع الناس؛ فلم أعد أركز جيدا في كلام من يحدثني.
كما أنني كثيرا ما أدخل في أحلام اليقظة، وأغرق في ذكريات الماضي، أو التفكير في المستقبل، أما الحالة الأخيرة فهي شعور غريب يشبه السقوط في بعد زمني آخر، أو كأنني في غيبوبة مؤقتة.
هل هناك تفسير لحالتي؟ وما هو الحل لزيادة تركيزي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ the walker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على ثقتك في إسلام ويب، ولك مشاركات سابقة، واستشارات ممتازة جدا، وقد أجاب عليها الإخوة المشايخ والعلماء والمختصون، فأرجو أن تكون قد أخذت بما ورد فيها من إرشادات.
أخي الكريم: إن مشكلة السرحان وتشتت التفكير أثناء الصلاة، وولوج أفكار وأحلام يقظة لا حاجة لها، أمر يشتكي منه بعض الناس، ولا شك في ذلك، بل إن بعض الأشخاص يعانون من هذه الحالة، حتى في حياتهم اليومية العادية، دون أن يكونوا في أثناء الصلاة؛ فقد تصيبهم حالات من التوهان، وكما وصفتها: كأن الإنسان يعيش في غيبوبة، نعم، هذا كله ناتج عن تشتت في التفكير، ويجعل الإنسان في حالة تشبه ما يعرف باضطراب الأنية؛ إذ يشعر كأنه ينظر إلى نفسه من مكان مرتفع، أو من موقع بعيد.
أحب أن أؤكد لك أن التفسير الأساسي لهذه الحالات، هو وجود قلق كامن، قلق داخلي محتقن، وهذا القلق حين لا يعبر عنه بوضوح، يظهر في مثل هذه الصور، وأيضا أحد التفسيرات: هو أن هذه الأفكار المتطايرة والمتداخلة، والتي لا داعي لها، ناتجة من فتح محابس العقل الباطني؛ لأن العقل الباطني يحتوي على الصالح والطالح، وحين يحتقن وتفتح محابسه يحدث هذا التشتت في التفكير، وينشغل الإنسان حتى في الصلاة، والتي هي من أعظم العبادات، والإنسان يجب أن يكون خاشعا وهو يقف أمام ربه، لكن فتح محابس العقل الباطني، كما ذكرت لك، هو الذي يؤدي إلى هذا الأمر.
من أهم الأمور بلا شك، أن يدرك الإنسان عظمة الشيء حتى يقدره حق قدره، ويضعه في مرتبته ومقامه الصحيح، ولهذا لا بد أن نذكر أنفسنا دائما بمكانة الصلاة في الإسلام؛ فهي عماد الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت، صلحت سائر أعماله، وإذا فسدت، فسدت سائر أعماله.
ويجب أن نستوعب هذه الحقيقة جيدا، من خلال الحديث النبوي الشريف، إذ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، ومن الأحكام الأخروية التي تترتب على ترك الصلاة: أن من يتركها يحشر يوم القيامة مع أئمة الكفر، مثل: فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف، ومن حشر مع هؤلاء، فمآله مآلهم -والعياذ بالله-.
الأمر الثاني: التمثل بما ذكره بعض السلف، فقد نقل عن حاتم الأصم -كما ورد في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي- أنه قال ما معناه: "إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء، وأتيت موضع الصلاة، فأقعد حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن يساري، وملك الموت خلفي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودا بخشوع، وأقعد على الورك الأيسر، وأفرش ظاهر القدم اليمنى، وأتمها بالإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا".
فإذا من يحيط نفسه بهذه الهالة العظيمة من التعظيم والاستحضار، لا بد أن يكون حاضر الذهن، مستشعرا عظمة الموقف، مفكرا في المهمة التي هو مقبل عليها، وهي الخشوع في الصلاة.
من المهم جدا أيضا أن تتجنب الإجهاد النفسي، والإجهاد الجسدي، وهذا يتطلب منك النوم مبكرا، هذا من أهم الشروط، ترميم الدماغ، وترميم الجسد في أثناء النوم الليلي -يا أخي الكريم-.
ومن المهم جدا أيضا ممارسة الرياضة بشكل منتظم، إلى جانب تمارين الاسترخاء، والتي يمكن تطبيقها من خلال مراجعة الاستشارة المنشورة على موقع إسلام ويب برقم (2136015)، حيث ستجد فيها كثيرا من الإرشادات المفيدة لتطبيق هذه التمارين، كما توجد العديد من البرامج المصورة على موقع يوتيوب توضح كيفية ممارستها.
كذلك من الضروري تجنب النوم النهاري، والحرص على التغذية السليمة، ومن المفيد أيضا أن تدرب نفسك على القراءة المركزة؛ كأن تختار مقطعا قصيرا، ثم تراجعه مرة أو مرتين، محاولا أن تحافظ على تركيزك الكامل خلال ذلك الوقت، ولا شك أن تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتمعن، تسهم في تحسين التركيز، وتساعد على الحد من التشتت وتطاير الأفكار وتداخلها.
أحلام اليقظة أيضا نستطيع أن نتخلص منها من خلال: أن نفكر دائما في معالي الأمور، الأمور الهامة، الأمور الجادة، وأن يكون الإنسان أيضا شخصا جادا ومفيدا لنفسه ولغيره.
سيكون أيضا من المهم جدا أن تعرف أن قوة الآن (قوة الحاضر)، دائما هي أفضل من ضعف الماضي أو مجهولية المستقبل، فإذا لتكن دائما نفكر في حاضرنا، الحاضر أقوى، لأننا نتحكم في تصرفاتنا، لأنه تحت إرادتنا لدرجة كبيرة، وإرادتنا تحت إرادة الله.
أيضا من الجيد والمفيد لك أن تتناول أحد الأدوية الجيدة والمفيدة، والتي تساعد في تحسين التركيز، نعم، الدواء يسمى (فافرين)، واسمه العلمي (فلوفوكسامين)، أريدك أن تتناوله بجرعة 50 ملغ ليلا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها 100 ملغ ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 50 ملغ ليلا لمدة شهرين، ثم 50 ملغ يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء، فهو دواء ممتاز وفاعل، وسوف يساعدك في علاج القلق والتشتت في الأفكار، وهو غير إدماني.
أخي: ربما يقول لك قائل: إنه توجد علة تسمى بفرط الحركة وتشتت الانتباه، أو تشتت الانتباه لوحده، أيضا قد تؤدي إلى إشكالات في التركيز، لكن لا أعتقد أن حالتك تندرج تحت هذه الحالات.
وللمزيد من الفائدة، راجع هذه الروابط: (2480096 - 242450).
بارك الله فيك، جزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.