الوسواس أضاع مني مجهود عام دراسي كامل، فكيف أتخلص منه؟

0 1

السؤال

السلام عليكم.

أريد التوبة من ذنوب عديدة، ولكن لا أستطيع، وأدعو الله أن يهديني، ولكن يأتيني ضيق في صدري، وتشتت فظيع، لا أعرف ماذا أفعل، أحس فقط بالعذاب، وغضب الله، وأريد أن أبتعد عن المعاصي، وأدعو الله، ولكن الطريقة التي تأتي في بالي موجعة جدا، ولا أطيقها، فأوكل أمري إلى الله دائما أن يبعدني عن المعاصي، وأن ألتزم بالدين.

لكن الأمر بدأ يزيد، وصرت أحس بالوسواس يختلط علي، ولا يحدث ذلك إلا وقت النوم والدراسة، ذهب تعب سنة كاملة بسبب الوسواس، وبسبب الخوف والضغط، لا أعرف كيف أجيب في الامتحان.

أريد علاجا بدون طبيب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويثبتك على الحق، ويصرف عنك كل ضيق، وهم، ووسواس.

ما تشعرين به من صراع داخلي، وضيق في الصدر، ووساوس وقت النوم والدراسة، هو أمر مرهق ومؤلم، لكنه ليس خارج نطاق السيطرة -بإذن الله-، بل هو من المعارك التي يمر بها المؤمن في طريق العودة إلى الله، وخاصة إذا كان صادقا في توبته، طامعا في رضا ربه، فلا تيأسي من روح الله؛ فإن الله يغفر الذنوب جميعا، قال الله تعالى: ﴿قل يا عبادي ٱلذين أسرفوا۟ علىٰٓ أنفسهم لا تقنطوا۟ من رحمة ٱلله ۚ إن ٱلله يغفر ٱلذنوب جميعا ۚ إنهۥ هو ٱلغفور ٱلرحيم﴾، هذه الآية كما قال العلماء: هي أرجى آية في القرآن، وقد نزلت لتقطع الطريق على الشيطان الذي يقنط العبد من رحمة ربه، موهما إياه بأن الطريق مغلق، والباب مسدود، والحياة قد انتهت، لكن الله قال لك بوضوح: "لا تقنطوا۟".

رحمة الله أوسع من ذنوبك؛ فقد قال النبي ﷺ: لو بلغت ذنوب أحدكم عنان السماء، ثم استغفرني، غفرت له، وقال أيضا: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

الله يفرح بتوبتك: أتعلمين ما يدهش القلب؟ أن الله –الجليل العظيم– يفرح بتوبتك؛ قال ﷺ: لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أضناه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، وعليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده.

هل سمعت؟ الله يفرح بك! فلماذا يقنعك الشيطان أن الله لا يريدك؟ فلا تفتحي له الباب، ولا تصدقيه أبدا، وكوني مع الله على الدوام، وإليك خطوات عملية، تساعدك على التخلص من هذا الضيق، وتثبيت التوبة، والتغلب على الوسواس:

1. افهمي ما يحدث: ما تشعرين به ابتلاء من الله، ليرفعك الله به درجات عند الصبر عليه، ويمحص قلبك ويطهره، والوسواس -وخاصة في الطهارة أو التوبة أو العقيدة- ابتلاء يصيب من أراد القرب من الله بصدق، والشيطان لا يقاتل الغافلين، بل يحارب من أراد التوبة؛ قال الله: ﴿إن ٱلذين ٱتقوا إذا مسهمۡ طآئف من ٱلشيۡطـٰن تذكروا فإذا هم مبۡصرون﴾.

2. طريقة التوبة الصحيحة والبسيطة: توبتك لا تحتاج لتعقيد؛ قال رسول الله ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له [رواه ابن ماجه] وإليك الطريقة في ثلاث خطوات:
- الندم على الذنب.
- النية الصادقة بعدم العودة إليه.
-الاستغفار، ثم الإقبال على الطاعات دون انتظار علامات خاصة أو شعور معين.

3. كيف تتغلبين على الوسواس:
- بالإعراض الكامل، وعدم الحوار مع الوساوس؛ فكلما جاءك الشعور بالضيق، أو "أنك لا تستحقين التوبة"، فقولي في نفسك: "هذا من الشيطان، وأنا عندي رب رحيم أتوكل عليه."
- عدم إعادة الطاعات، أو الدعاء، أو التوبة بسبب الشك، بل ثبتي الطاعة ولا تكرريها؛ فالتكرار بوابة الإنهاك.
- التحصين اليومي:
- قراءة سورة البقرة يوميا، أو الاستماع إليها يوميا.
- أذكار الصباح والمساء، وخاصة المعوذات، وآية الكرسي، ودعاء الكرب.
- الإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان، وخاصة عند الضيق.

4. التعامل مع الضيق وقت النوم والدراسة:
- قبل النوم: لا تفكري في ذنوبك بل قولي: اللهم سلمني من الشيطان، وارزقني نوما هادئا، وقلبا سليما.
-وقت الدراسة: لا تربطي النجاح بالمعصية، بل قولي: "أنا أبذل جهدي، والله ييسر أمري، والوساوس ليست مني، بل من عدوي".
- أكثري من الدعاء لله عز وجل، وقولي -على سبيل المثال-: اللهم إني أعوذ بك من هم لا ينقطع، ومن وسواس لا يفارق، ومن فكر يشتت قلبي، اللهم أنزل علي سكينة منك تطمئن بها نفسي، وتربط بها على قلبي، وتهدأ بها روحي، اللهم طهر قلبي من كل وسواس، واملأه نورا بك وبرضاك.

وتذكري دائما: أنت على خير، والله يعلم صدقك، ولو لم تكوني قريبة من الله ما كان الشيطان ليتعبك، فاجعلي قلبك عامرا بالذكر.

وختاما:
- لا تؤخري توبتك بحثا عن الشعور الكامل، أو الطمأنينة الفورية.
- لا تتركي الدراسة من أجل الوسواس، بل قولي: أنا أجاهد، والله يجبرني.
- كلما شعرت بالضيق قولي: "حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
- ابحثي عن رفيقات صالحات، طائعات، مجتهدات؛ فهذا أعون لك على الطاعة.

نسأل الله أن يشرح صدرك، وينزل السكينة على قلبك، ويجعلك من عباده التائبين المهتدين، ويبدلك بعد هذا العناء نورا، وثباتا، وفرجا عاجلا.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات