السؤال
السلام عليكم.
عمري ١٦ سنة، منذ سنتين إلا قليلا -تقريبا- صار عندي مشاكل في الأكل؛ فقد أصبح أكلي قليلا جدا، وأمارس الرياضة بشكل يومي لساعة أو أكثر، وهي ليست رياضة خفيفة، كان وزني ٦٥ أو ٦٦، وخلال ثلاثة أشهر نزل وزني إلى ٤٤ كيلو، ونفسيتي صارت سيئة للغاية، وصار عندي خوف من الأكل، وأحيانا ينتابني البكاء عندما آكل.
منذ فترة تغيرت الأحوال، وأصبح لدي نهم للأكل، وزادت هذه الحالة، وأجد نفسي أتناول بكثرة فجأة، ولا أستطيع التوقف، ويؤلمني بطني، وزاد وزني بشكل جيد خلال هذه الفترة، وما يشغل بالي هو رضا الله؛ فأنا أخاف من أن أكون قد دخلت في حالة الإسراف في الطعام، والإسراف حرام، وكل مرة أتوب، ولكن أرجع، حتى صرت أستحي من الله.
ينتابني الوسواس في كل شيء؛ وأيضا في الطهارة، والعقيدة، لدرجة أنني عندما أتوب أشعر بأن توبتي غير صحيحة.
أنا أكتب كلامي وأشعر بالقهر، أشعر بأني سأنفجر بعد أن أصبحت آكل بنهم، وأشعر بخنقة، ومن الأسباب التي حفزت النهم عندي الإسراف في أكلي، ولا أعرف كيف أتحكم بشهيتي!
أقسم بالله أن حياتي أصبحت جحيما؛ فالوسواس في كل شيء يقتلني، كما أنه لم يمض وقت طويل منذ أن هداني الله، ومع ذلك أشعر بجبال فوق طاقتي، وأنا طالبة بكالوريا، ويفترض أن أدرس، ولكني أضيع وقتي، وقد شاهدت مقطعا يقول: بأن الله إذا كره عبدا ضيع وقته، فشعرت بخنقة، فهل يعقل أن يكرهني الله مع كل هذه الظروف؟ والله إني أحبه، وأحاول إرضاءه.
صداقات كثيرة انقطعت بسبب الوسواس والنهم، والحالة النفسية السيئة، حتى بت أشعر بأني مريضة نفسيا، وقد سألت عن العلاج النفسي، وعلمت بأنه غال جدا، ولا تحتمله ميزانيتي، كما أن قصة الإنكار بهذا الزمان صعبة؛ فالكل غارق بالذنوب، وقد قطعت علاقات بسبب ذلك.
أرجو أن تقولوا لي شيئا يريحني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تقى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أيتها الفاضلة الكريمة: حالتك واضحة جدا لدينا، وموضوع قلة الأكل، وممارسة الرياضة، ويعقبها النهم، أو تناول الطعام بشراهة، فهذا يصنف ضمن ما يعرف بـ (اضطراب الأكل العصبي، أو العصابي)، كما يسمى أحيانا، وهذا الاضطراب يظهر لدى بعض الفتيات في مثل عمرك، وقد يكون مرتبطا بالوساوس القهرية، بل في كثير من الأحيان يعد نوعا من أنواع الوساوس، وهذه الحالة يجب أن تعالج، وأبشرك بوجود علاجات دوائية ممتازة وفعالة لها، وهناك دواء اسمه العلمي: (فلوكسيتين، Fluoxetine)، ويعرف تجاريا باسم (بروزاك، Prozac)، وربما يوجد في سوريا تحت مسميات أخرى، وهو دواء ممتاز جدا لعلاج اضطرابات الأكل العصبي (نهم الطعام العصابي)، وكذلك الوساوس القهرية المرتبطة بها.
طبعا، الأفضل دائما أن يتم التشخيص والمتابعة عن طريق طبيب نفسي مختص، ولكن بما أنك ذكرت أن الإمكانيات غير متوفرة، فلا تجهدي نفسك، ويمكنك -بعد استشارة أهلك- الذهاب إلى الصيدلية، وطلب هذا الدواء.
الفلوكسيتين دواء آمن جدا، وسليم جدا، وتتوفر منه منتجات محلية غير مكلفة، والجرعة هي: أن تبدئي بـ 20 ملغ يوميا، لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى 40 ملغ يوميا، وهذه غالبا تكون الجرعة العلاجية الكافية لحالتك، ويستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى كبسولة واحدة 20 ملغ يوميا، لمدة ستة أشهر أخرى؛ والغاية من هذه الخطة هي السيطرة على الأعراض، وتحقيق استقرار نفسي وغذائي.
في بعض الحالات، قد نحتاج إلى رفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات -أي 60 ملغ- يوميا، وهذا أيضا ضمن النطاق العلاجي الآمن، وهو دواء سليم، وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية أبدا، وهو الخط العلاجي الدوائي الأساسي.
أما من الناحية السلوكية: فالعلاج يتطلب منك تصميما وعزيمة في موضوع التحكم في الأكل؛ فحاولي دائما أن تأكلي مع الآخرين، كأن تتناولي الطعام مع أسرتك، وتجنبي الأكل منفردة.
أما التمارين الرياضية: فيجب أن تتوقفي في هذه المرحلة؛ لأنها وإن كانت صحية في الأصل، إلا أنك تمارسينها بدافع لا شعوري لحرق السعرات، وإنقاص الوزن، وهو ما يغذي هذه الحالة المرضية.
وفيما يتعلق بالوساوس القهرية: فأنصحك بالتعامل معها بأسلوب التحقير الكامل للفكرة الوسواسية؛ بمعنى: ألا تحاوري الفكرة، لا تناقشيها، ولا تحاولي إثبات أو نفي صحتها، بل حاولي صرف انتباهك عنها مباشرة إلى فكرة بديلة، أو نشاط حياتي آخر مفيد، ودائما اجتنبي الفراغ بنوعيه: الزمني، والذهني، وحسن إدارة الوقت دائما يجعل الإنسان منشغلا بما ينفعه، ويقلل من المساحة التي تحتلها الوساوس.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنت لست مريضة نفسيا، بل تعانين من ظاهرة نفسية معروفة تصيب الكثير من الفتيات، بل حتى بعض الذكور في بعض الأحيان، وهي قابلة للعلاج تماما، فلا بد من أن تضعي في اعتبارك أن العلاج أمر ضروري، سواء الدوائي، أو السلوكي، وأن توضحي الأمر لأسرتك، ولن يرفضوا -بإذن الله-.
الدواء يمكن الحصول عليه بسهولة، إما من الصيدلية مباشرة، أو يمكن لطبيب الأسرة أو الطبيب العام أن يكتبه لك.
هذا ما أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والشفاء، والتوفيق والسداد.
_____________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
_____________________________________________
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يعجل لك بالعافية والشفاء.
قد أفادك -الأخ الفاضل- الدكتور محمد بما ينفعك، ويفيدك من الناحية الصحية، وقد شخص حالتك، وظهر -ولله الحمد- أنها حالة مرضية معروفة لدى الأطباء، ودواؤها سهل وبسيط، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعافية والشفاء.
وقد أحسنت حين أخذت بالأسباب لهذا الشفاء، ومنها استشارة من ينبغي أن تشاوريه فيه، ونحن ننصحك بأن تأخذي توجيهات الدكتور/ محمد مأخذ الجد، وتحاولي العمل بها؛ فإن الرسول ﷺ يقول: "ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله". وقال ﷺ: "تداووا عباد الله".
ومما أفادك به الدكتور/ محمد أن حالتك إنما هي أعراض للوسوسة، ومن ثم فإننا ننصحك بأن تصبري، وتبذلي غاية جهدك في مدافعة هذه الوساوس، ومحاولة التخلص منها، وذلك أمر سهل يسير -بإذن الله تعالى-.
فبجانب التوجيهات الطبية التي أشار لها الدكتور/ محمد، نؤكد على أمور ثلاثة لا بد من العمل بها لتتخلصي من هذه الوساوس، وهي توجيهات نبوية لمن أصيب بشيء من الوسوسة:
أولها: تحقير هذه الوساوس، والإعراض عنها إعراضا كليا، فلا تبالي بها، ولا تقيمي لها وزنا، فإذا داهمتك هذه الأفكار فالمطلوب منك أن تصرفي ذهنك عن التفكر بها، وأن تتحولي إلى أي شيء آخر ينفعك، سواء كان دينيا أو دنيويا.
الوصية الثانية: الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان ووسوسته.
الوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله تعالى بقدر الاستطاعة.
فهذه الأمور الثلاثة ينبغي أن تواظبي عليها وتداومي، وستجدين -بإذن الله تعالى- أنك ستتخلصين من هذه الوساوس شيئا فشيئا، وما دامت حالتك قد صنفت على أنها حالة وسواسية، فكل ما تجدينه من الأسئلة التي طرحتها في هذه الاستشارة، هي من آثار هذه الوسوسة.
ولذلك نصيحتنا لك: ألا تلتفتي إليها، ولا تبحثي عن إجابة لها، والله -سبحانه وتعالى- يعذرك بسبب هذه الوساوس في أشياء كثيرة لا يعذر بها الإنسان الصحيح السليم؛ فالمريض له أحكامه في الشريعة الإسلامية، وله تخفيفات جاءت بها هذه الشريعة، مراعاة لظروفه ولرفع الحرج عنه.
فالمطلوب منك فقط أن تعرضي عن هذه الوساوس، وأن تعلمي تمام العلم أن الله -سبحانه وتعالى- يرضى عنك ما دمت تجاهدين، وتكافحين بالأخذ بالأسباب التي تخلصك من هذه الوساوس، فلا تلتفتي إلى هذه الوسوسة حين تحاول إقناعك بأن توبتك غير صحيحة، ولا تلتفتي إليها أيضا حين تحاول هذه الوساوس أن تشعرك بأنك بعيدة عن الله تعالى، وأن الله يكرهك بسبب إضاعة الوقت، أو غير ذلك.
فكل هذه محاولات شيطانية لإدخال الحزن والكآبة إلى قلبك، والشيطان يحرص غاية الحرص أن يعيش الإنسان المؤمن حزينا، كما قال الله تعالى عنه في سورة المجادلة: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}، فلا تلتفتي إلى شيء من ذلك، واعلمي أنك ما دمت سائرة في هذا الطريق النبوي فإن الله تعالى يحبك، ويرضى عنك.
أسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، ويعجل لك بالعافية والشفاء.