السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجت منذ ثلاث عشرة سنة، ونحن – ولله الحمد – في خير ونعمة، لكني أعاني مع زوجتي منذ نحو ثماني سنوات، حيث بدأت تخبرني بأمور غريبة يصعب تصديقها.
فقد أخبرتني أنها تراني أفعل أشياء محرمة أثناء نومي، وهي وحدها من يراها، ولا يراها أحد غيرها، مع أنني لم أفعل شيئا مما تدعي.
ناقشتها كثيرا في ذلك، وقلت لها: "صوريني فيديو إن كنت ترين شيئا"، ولكن دون فائدة.
ثم تطور الأمر، فبدأت تخبرني أنني أتواصل مع النساء ذهنيا، أي أنني أرتكب المحرمات بمجرد الأفكار فقط، وتنظر إلى حركة يدي وأصابعي وتقول: "انظر! أصابعك الآن تمارس الحرام، وأنت نائم أو حتى وأنت يقظان!"، تراقب يدي بطريقة غير طبيعية، فقلت لها: "كيف تعرفين هذه الأمور؟"
فأجابت: "هناك امرأة تتحدث إلي كثيرا بكلام بذيء وفاحش، وتؤثر علي حتى أضطر للخروج من البيت من كثرة ما أسمعه، مع أنكم – أنت والأولاد – لا تسمعون شيئا"، وتصر على أن تلك المرأة هي زوجتي "التي تتواصل معها ذهنيا"، بل وتقول إن زوجتي تتواصل معي أيضا ذهنيا عندما أبتعد عنها!
لم أجد جوابا منطقيا لهذا الكلام، فعرضتها على شيخ، ولكن لم يتغير شيء، ثم عرضت عليها الذهاب إلى طبيب نفسي، لكنها رفضت، بحجة أن المشكلة عندي أنا، وليس عندها.
فقلت لها: "نذهب سويا للعلاج"، لكنها رفضت تماما، واستمرت على حالها، مدعية أن تلك المرأة ما زالت تحدثها، وتؤذيها، وتتواصل معنا ذهنيا.
بل وأخبرتني ذات مرة أن تلك المرأة – زوجتي كما تظن – قدمت لها الشاي في يوم من الأيام ثم اختفت فجأة، على حد قولها.
مع العلم أن زوجتي – بارك الله فيها – حافظة لكتاب الله، ومداومة على قراءته، ولكن تفكيرها في هذا الموضوع غير منطقي تماما، وأعجز عن فهمه.
لقد تحملت كثيرا من هذا الوضع، ولكن الأمور تطورت إلى تجاوزات في حقي وفي أخلاقي، إذ بدأت تدعي أنني قادر على الوصول لأي إنسان ذهنيا، وأنني أمارس ما أشاء مع من أشاء في الخيال، وتقول إن هذه "موهبة" رزقني الله إياها هي فقط!
فكرت كثيرا في الطلاق، ولكن المروءة، وحرصي على الحفاظ على الأسرة، يمنعانني، فما هو التشخيص المحتمل لهذا السلوك؟ وما هي الخطوات الصحيحة للعلاج؟ وكيف يمكنني التصرف في هذا الوضع المؤلم والمعقد؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الكريم، نقدر معاناتك، ونسأل الله أن يفرج همك، ويصلح حالك، ويشفي زوجتك شفاء تاما لا يغادر سقما.
إليك الجواب مرتبا بحسب محاوره:
أولا: حقيقة ما تعاني منه زوجتك: من خلال وصفك، يبدو أن زوجتك قد تعمقت في ما يسمى بالتخاطر، وهو فكرة روحية تدعي إمكانية التواصل بين العقول دون استخدام الحواس أو الوسائل الملموسة، وهذا المفهوم مجرد خرافة لا أصل لها في الشرع أو في العقل السليم.
• التخاطر صاغه "فريدريك مايرز" عام 1882م، ويشبهه بعضهم بـ"البلوتوث"، أي إرسال الأفكار من عقل إلى آخر عبر طاقة غير مرئية.
• هذه الفكرة تنتمي إلى البرمجة اللغوية العصبية والتنويم المغناطيسي، وهي أفكار قائمة على الإيحاء والوهم، ومنشؤها من بلاد الكفر، لا سيما التي تنتشر فيها السحر والكهانة، وقد حذر العلماء من تعلمها أو الانخداع بها.
ثانيا: المخاطر العقدية والشرعية:
• كثير ممن يروجون للتخاطر يطلبون تجاوز تعاليم الدين والمعتقدات، ويزعمون أن المؤمن الحقيقي به يجب أن يسلم له حتى لو خالف الدين.
• وهذا فيه خطر على عقيدة المسلم، لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: ﴿وما كان الله ليطلعكم على الغيب﴾، وقال تعالى: ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا﴾.
ثالثا: الاحتمالات النفسية لما تمر به زوجتك:
يتضح من وصفك أن زوجتك قد تكون واقعة بين أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: أنها تعاني من وسواس قهري شديد أو اضطراب ذهني مثل "الفصام الزوري" أو ما يعرف بـ"الهلوسة السمعية والفكرية"، وهو ما يتضح من قولها:
• "هناك امرأة تحدثني بكلام بذيء لا يسمعه غيري".
• "ترتكب المحرمات وأنت نائم أو يقظان، من خلال أصابعك".
• "أنت تتواصل ذهنيا مع النساء".
كل هذه أوهام وهلاوس ذهنية تدل على حالة نفسية حادة تستدعي تدخلا طبيا عاجلا.
الاحتمال الثاني: إنها قرأت كثيرا في موضوع التخاطر، وتوسعت فيه حتى تشبعت أوهاما وخيالات، فبدأت تصدق أنها ترى وتسمع أشياء لا يراها غيرها، وفسرت الأحداث من حولها بناء على ذلك.
رابعا: الموقف العملي والعلاجي:
1. لا تربط بين حفظها للقرآن وبين هذه السلوكيات، فقد يقع الإنسان في الوسواس أو الخلل العقلي رغم التزامه بالعبادات، خاصة إن لم يكن لديه تحصين عقدي وشرعي كاف.
2. اطلب من وليها (كوالدها أو أخيها) مساعدتك في إقناعها بالذهاب إلى طبيب نفسي مختص؛ فرفضها للعلاج لا يعني أنك تتوقف؛ لأن استمرار حالتها قد يؤدي إلى خراب بيتكما وضياع أسرتكما.
3. إذا كانت ترفض العلاج النفسي، اعرضها على راق شرعي موثوق وأمين، فربما تجد الطمأنينة في الرقية الشرعية؛ وهذا يساعدك في إقناعها لاحقا بالعلاج المتخصص.
4. شاركها في أذكار الصباح والمساء، وذكرها بها بلطف، واقرأ عليها الرقية الشرعية بنفسك، صباحا ومساء، وأوصها أن ترقي نفسها كذلك.
خامسا: التمسك بالدعاء واللجوء إلى الله:
احرص على الدعاء والتضرع بين يدي الله في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، ومنها:
• ما بين العصر والمغرب يوم الجمعة.
• الثلث الأخير من الليل.
• الأربعاء بين الظهر والعصر.
• عند الاستيقاظ ليلا وتقلب الفراش.
• بين الأذان والإقامة.
• أثناء السجود.
• بعد الصلوات المكتوبات.
أخي الكريم: ندرك أن وضعك صعب، ولكن الصبر على المريض النفسي عبادة عظيمة وأجرها كبير عند الله، وقد تكون زوجتك مبتلاة حقا، وتحتاج إلى رحمة وصبر واحتساب.
فإن وجدت منها تجاوبا فاستمر في العلاج معها، وإن استحال العيش معها واشتد الضرر عليك وأولادك؛ فلك أن تختار القرار المناسب بما لا يخل بالعدل والإنصاف، مع طلب المشورة من أهل العلم.
نسأل الله تعالى أن يشفي زوجتك، ويقر عينك بها، ويجعل ما تمر به رفعة لك في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب مجيب.