السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابني يبلغ من العمر 10 سنوات، وقد اضطررت إلى تغيير مدرسته أربع مرات بسبب سلوكه غير المنضبط، فهو لا يستمع إلى المعلمين، لا يكتب دروسه، ولا يتابع داخل الصف، يعتدي على زملائه بالضرب، ويسرق أدواتهم، ويكذب، ويخفي دفاترهم، كما أنه يشعر بالغيرة من المتفوقين.
يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه، ويتم استدعائي إلى المدرسة بشكل شبه يومي، وكل مدرسة أنقله إليها تطلب مني إخراجه وعدم إحضاره مرة أخرى.
عرضته على عدة أطباء، وبعضهم أوصى باستخدام الدواء، لكنني رفضت ذلك خوفا من الآثار الجانبية.
لا أدري ما أفعل، ولا أعرف كيف أواجه المجتمع بهذا الطفل الذي ينظر إليه على أنه منبوذ! علما أنه ولد خديجا في الأسبوع 33، وعانى من نقص في الأكسجين، وتعرض لنوبتي تشنج خلال الأسبوع الأول من ولادته، وكان حينها في قسم العناية المركزة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ lolalo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لهذا الابن العافية والشفاء.
أيتها الفاضلة الكريمة: ينبغي ألا نعتبر هذا الطفل طفلا منبوذا؛ فذلك في حد ذاته يمثل وصمة كبيرة تؤثر عليه وتعوق تقدمه.
وصفك للحالة واضح -أيتها الفاضلة الكريمة- فهذا الطفل يعاني مما نسميه بـ (اضطراب المسلك)، مع فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهذه الحالات قد ترجع لعوامل ترتبط بالطفل نفسه، أو بالمدرسة، أو بالأسرة، وقد تكون ناتجة عن تداخل مشترك بين هذه المصادر الثلاثة.
ذكرت أن الطفل ولد قبل موعده، قبل إكمال مدة الحمل، وحدثت له تشنجات، وهذا يرجح أن هناك تأثيرا سلبيا حدث للدماغ نتيجة نقص الأوكسجين والتشنجات وعدم اكتمال الحمل، لكن هذا لا يعني نهاية الأمر، ولا يعني أن الطفل لا يمكن مساعدته، فكل شيء يتطور، والإنسان يتطور، وحتى الدماغ يتطور مع الوقت والعلاج.
طبعا الطفل يحتاج لمقابلة طبيب نفسي مختص في علاج الأطفال، و-الحمد لله- يوجد الآن أطباء متميزون في هذا المجال، كما توجد مراكز علاجية ممتازة، وهناك برامج علاجية متعددة، منها العلاج السلوكي، والعلاج عن طريق اللعب، والعلاج الدوائي.
وبما أن الطفل قد بلغ من العمر عشر سنوات، فأنا أرى أن العلاج الدوائي أصبح ضروريا جدا، علما أنني شخصيا لا أصف الأدوية للأطفال قبل سن السابعة، لكن في هذه المرحلة العمرية -عشر سنوات- نستخدم أدوية معروفة بأنها آمنة وسليمة، ولا توجد أي مخاوف منها -بإذن الله-، فلا تحرمي هذا الطفل من حقه في العلاج.
الطبيب المختص هو من سيقرر نوع العلاج المناسب، وقد يصف أدوية ممتازة لعلاج فرط الحركة وتشتت الانتباه، وأدوية أخرى تساعد على تهدئة الانفعالات الزائدة، كما يمكن للطبيب تحويل الطفل إلى الأخصائي أو الأخصائية النفسية لتصميم خطة تعديل سلوك تعزز من السلوك الإيجابي، وتقلل من السلوكيات السلبية، وهذه المبادئ هي الأساس في العلاج.
من جانبكم كعائلة، لا بد من تعزيز السلوك الإيجابي لدى الطفل مهما كان بسيطا، وتجنب العصبية السلبية في التعامل معه، فأنا أعلم أن التعامل مع هذه الحالات قد يكون صعبا، لكن مواجهة الانفعال بالانفعال نتائجه سلبية جدا، لذا عليكم بالصبر، والتشجيع، والتحفيز، وكل فعل إيجابي يصدر من الطفل يجب أن يقابل بالتقدير والدعم، أما السلبيات، فيتم التعامل معها بالتوجيه، والتصحيح، والنمذجة الإيجابية.
ويستحسن بعد أن يهدأ الطفل دوائيا أن يتم دمجه مع أطفال آخرين، ويفضل أن يكونوا من الأقرباء في البداية، وأنا على يقين بأنه سيكون مقبولا إذا هدأ، لكن ما دام لا يزال يعاني من الاندفاعية، وفرط الحركة، وتشتت الانتباه، فمن الطبيعي أن لا يقبله الآخرون، كما أن سلوكيات مثل ضرب الزملاء والانفعال الزائد ستختفي غالبا مع العلاج، أما السرقات والكذب؛ فهذه تحتاج إلى إرشادات سلوكية، والطفل يتغير بسرعة حقيقة، والأمل موجود -بإذن الله-.
كما ينبغي عمل بعض الفحوصات الطبية، مثل تخطيط الدماغ؛ للتأكد من عدم وجود نشاط كهربائي غير طبيعي قد لا يظهر في شكل تشنجات؛ لأن وجود هذا النوع من النشاط الدماغي يستلزم علاجا خاصا، وهو متوفر وسهل وفعال.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أقدر تماما ظروفك، وأعلم أن كثيرا من الأمهات قد يدخلن في حالات اكتئابية تؤدي بهن إلى العجز عن مساعدة أنفسهن أو أولادهن، فلا تكوني من هؤلاء، بل اجتهدي في الثبات، والتفاؤل، وحسن الظن بالله، وتمسكي بالأمل والرجاء، وكوني إيجابية، و-إن شاء الله تعالى- هذا الابن سوف يتطور ويتغير نحو الأفضل.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.