السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أكون شخصا حازما دون أن أغضب؟ أنا أتعامل بأسلوب مختلف عن الآخرين، وأسلوبي يتسم بالصمت والهدوء، لكن الناس لا يستجيبون إلا للغضب والصوت العالي، وعند الغضب أخرج من تلك الحالة منهكا، ومع ذلك لا يفهم الناس إلا لغة الغضب ليطيعوا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ the walker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك تواصلك مع موقع إسلام ويب، وطلبك للمشورة للتغلب على هذه المشكلة، وسؤالك يعكس حرصك على تطوير نفسك وتجاوز ما تعانيه في تعاملاتك مع الآخرين.
أما سؤالك حول كيفية أن تكون حازما دون أن تفقد هدوءك أو تسيطر عليك نوبات الغضب؛ فإنه يتطلب اكتساب بعض المهارات من خلال التدريب والممارسة، خاصة وأنك ممن اعتادوا على أسلوب الصمت والهدوء في مواجهة المواقف.
إن الغضب أمر فطري في الإنسان، لكن ضبطه والسيطرة عليه من صفات المؤمنين الممدوحين في القرآن، قال تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134].
وقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب الوصية، فقال: أوصني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب"، فردد مرارا، فقال: "لا تغضب" [رواه البخاري]، وكررها النبي عدة مرات، وكأنها وصية جامعة مانعة؛ لأن الغضب إذا سيطر على الإنسان أخرجه عن طوره، وأفقده اتزانه؛ ولهذا فإن كظم الغيظ وضبط النفس من صفات المؤمنين الصادقين.
أما متى يحتاج الإنسان إلى الحزم؛ فهذا يختلف باختلاف المواقف؛ فهناك مواقف تستدعي الحزم والصرامة، وأخرى يكفي فيها اللين والحكمة، ومن المهم أن تبدأ بتحديد الفئات التي تتعامل معها، وتقسيمهم إلى أنماط مختلفة مع تقبل تنوعهم، ثم تضع خطة مسبقة للتعامل مع المواقف التي تثير غضبك، بحيث تتهيأ لها وتواجهها بنبرة حازمة وواضحة دون انفعال.
وبما أنك ترى أن بعض الناس لا يستجيبون إلا للصوت العالي؛ فاعلم أن الحزم لا يعني الغضب، بل يعني وضوح الموقف، وثبات النبرة، وقوة الحجة، مع البقاء ضمن إطار الهدوء، وهذا يتطلب تدريبا مستمرا حتى تصل إلى التوازن بين الهدوء والحزم.
1- التهيؤ النفسي قبل المواجهة: ذكر نفسك أن الغضب ليس الوسيلة الوحيدة لفرض الاحترام، بل إن القوة الحقيقية للمؤمن تكمن في ضبط النفس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" [رواه البخاري ومسلم].
2- التنفس العميق والتأني: درب نفسك أن تأخذ لحظة صمت قبل الرد؛ فهذا يمنحك ثباتا ويجنبك الانفعال.
3- تغيير الهيئة عند الغضب: إذا كنت واقفا فاجلس، وإذا كنت جالسا فاضطجع؛ فهذا يخفف من حدة الغضب ويمنع التصعيد، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" [رواه أبو داود وأحمد].
4- الوضوء عند الغضب: لأن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، والنار يطفئها الماء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" [رواه أبو داود وأحمد].
5- استخدام لغة الجسد بثقة: النظرة الواثقة، والوقوف بثبات، ونبرة الصوت الحازمة تغني عن رفع الصوت، وقد وصف الله عباده بقوله: {وعباد الرحمـٰن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} [الفرقان: 63].
6- تحديد العواقب بوضوح: بين للطرف الآخر ما يترتب على سلوكه بجدية دون انفعال، فهذا أبلغ من الصراخ.
7- التدرج في الأسلوب: ابدأ بالهدوء، ثم ارتق للحزم، ولا ترفع صوتك إلا للضرورة، مع ضبط نفسك، فقد قال الله تعالى: {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19].
8.- أكثر من الدعاء لنفسك بأن يشرح الله صدرك، ويهدي قلبك، ويوفقك لأن تكون محبوبا بين الناس؛ فالدعاء صلة بين العبد وربه، وهو عون على الصبر وحسن التعامل مع الآخرين.
وبهذه الخطوات تجمع بين الحزم والهدوء، فتكسب نفسك احترام الآخرين دون أن تستنزف طاقتك بالغضب أو تقع في الانفعال المذموم.
ونسأل الله لك أن يملأ قلبك سكينة وطمأنينة، وأن يرزقك الحكمة في القول والعمل، ويجعلك مفتاحا للخير مغلاقا للشر، ويؤلف بينك وبين من حولك بالمودة والرحمة.