السؤال
أمي تميل إلى التظاهر بالحاجة والشكوى أمام الآخرين، رغم أن حالنا بفضل الله ليس كذلك، وقد أثر هذا السلوك علي بشكل سلبي، حيث بدأ البعض يتعامل معي بحذر في المسائل المالية خشية أن يشعروني بالنقص أو الحاجة.
على سبيل المثال: ذات مرة دعتني صديقتي لزيارة أحد الأسواق، فأخبرتها والدتي أننا لا نذهب إليه إطلاقا لأنه باهظ الثمن، والحقيقة أن معظم أغراضنا من ذلك السوق، بعد هذا الموقف، تجنبت صديقتي دعوتي مرة أخرى، ما آلمني بشدة.
مع أنني نصحت والدتي مرارا أنا وإخوتي، وأبرزنا لها نعم الله علينا، إلا أنها لا تحب إظهارها أمام الأقارب أو عامة الناس، وبسبب ذلك، أصبحت أتجنب اصطحابها معي لأي مكان، وأخفي عنها كثيرا من المناسبات والزيارات؛ حتى لا ينظر إلي بنظرة شفقة أو حاجة أو حزن.
كما أنني فوت فرصة الالتحاق بدورة شرعية مكثفة؛ لأنها كانت سترافقني، وسبق أن رفضت خاطبا؛ لأن والدتي نقلت له صورة غير حقيقية عن حالنا، خوفا من تبعات ذلك ماديا، أو من أن أعاير بما قيل له.
حتى في إجازات السفر، تمنع الحديث عنها أمام أهلنا أو أقاربنا، وتصر على عدم إظهار أننا في حال جيدة، رغم أننا نحمد الله على ما نحن فيه.
لقد أرهقني نفسيا هذا الأسلوب، ولم أعد أحتمل وصفا زائفا لحالنا الحقيقي، فماذا أفعل؟ لقد أتعبني هذا الأمر، وحرمني الكثير من الفرص.
أرجو منكم التوجيه، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، وييسر لك الخير حيث كان، ويجزيك على برك بأمك وصبرك عليها، وقد فهمنا حديثك، ونود أن نجيب من خلال ما يلي:
1. افهمي دوافع والدتك النفسية:
من المهم أولا أن تعرفي أن أمك لا تفعل هذا دائما بنية سوء، بل قد تكون اعتادت "لغة الشكوى" كوسيلة لاستدرار العطف، أو لتفادي الحسد؛ أو لأنها نشأت على ذلك وأصبحت عادة لا تشعر بضررها، فهذا النمط السلوكي منتشر في بعض البيئات التي ترى في "إظهار الفقر" نوعا من الحصانة أو التواضع، أو نوعا من التدين، وهو فهم خاطئ.
إدراكك لهذا يساعدك على أن تحفظي مشاعرك من الانفجار، وتعدلي رد فعلك من الغضب إلى التعقل.
2. فرقي بين "البر" و"الانقياد": من أعظم أبواب الجنة: بر الوالدين، لكن البر لا يعني أن نخسر أنفسنا، أو نترك مستقبلنا، أو نسمح للآخرين بإفساد سمعتنا، وأهل العلم يقولون إن الوالد إذا أمر الولد بما فيه ضرر على دينه أو دنياه، فليس له طاعة، بل يجامله باللين، ويرد عليه بأدب، فلا حرج عليك أن:
- ترفضي أن تصحبي والدتك إلى مكان تخشين أن تسيء فيه لسمعتك.
- أو أن تخبري الناس بالحقيقة إذا سألوا عن حالكم دون إساءة إليها.
- أو أن تتقدمي لدورات أو فرص، دون أن تشركيها في كل التفاصيل، إن كان حضورها سيضر بك.
هذا ليس عقوقا، بل حماية لحياتك وسمعتك بحق، ما دمت تفعلينه بأدب ورفق.
3. تعاملي مع الناس بوضوح وثقة حين تتكلم أمك عنك أمام الناس بكلام غير صحيح، لا تواجهيها مباشرة أمامهم، ولكن تواصلي مع الناس لاحقا بذكاء، كأن تقولي لصديقتك:"أمي أحيانا تتحدث بحساسية زائدة عن الأمور المالية، لكن الحمد لله نحن في حال جيدة، ولا تقلقي من أي شيء".
ولا تخافي من تكرار هذه التوضيحات بلطف، فالناس يتفهمون، لكنهم يحتاجون لمن يصحح لهم الصورة بهدوء.
4. اعملي على معالجة ألمك النفسي من الداخل، فأنت متعبة لأنك تحملين مشاعر مركبة: إحباطا من فوات الفرص، وألما من سوء الظن، وغيظا داخليا من تشويه سمعتك، وتعارضا بين بر والدتك وبين حاجتك للحرية والكرامة.
كل هذا مفهوم ومشروع، لكن لا تتركيه يتراكم، لذا ننصحك بالكتابة اليومية: أفرغي مشاعرك على الورق بصدق، ثم مزقي الورقة، هذا تمرين مفيد نفسيا.
الدعاء الصادق في السجود: أن يصلح الله حال أمك، ويكتب لك برها دون أن تتأذي.
الاستشارة مع مختص نفسي إن زاد الألم: فالمختص يساعدك على كيفية إدارة الغضب والخوف والمواقف الاجتماعية.
6. ذكري والدتك بلطف دون صدام، واحرصي أن يكون كلامك غير مباشر، مثلا: "أمي: فلانة فهمت من كلامك شيئا غير دقيق، وهذا أحرجني جدا"، "أنا سعيدة أننا بخير، وأود أن الناس يعرفون أننا شاكرون لنعم الله".
وإذا خشيت المواجهة، أرسلي لها مقطعا فيه كلام عن شكر النعمة وعدم التظاهر بالحاجة.
7. تذكري أن الناس لا يقيمونك من خلال كلام والدتك فقط: الناس – بمرور الوقت – يرونك كما أنت، ويكتشفون حقيقتك من تعاملك، لا من كلام غيرك، فاصبري على بعض الظلم المؤقت، وثقي أن السمعة الحقيقية تبنى بالزمن، لا بالتصريحات.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.