السؤال
السلام عليكم.
أنا مريض بالوسواس القهري، ولم أستطع التوقف عن فعل العادة، مع العلم أنها تسبب الهلوسة، والوسواس القهري، وتأتيني أفكار سيئة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى أفعال بسبب مشاكل نفسية، ولكني عرفت أن العادة تسبب تلك المشاكل النفسية، ولم أتوقف عنها، مع أني أريد التخلص من هذه الأفكار والأفعال ولم أستطع، فهل يجب أن يطبق علي حد القذف؟ وهل يجوز قتل نفسي؟ وهل أحاسب؟
أرجو الإجابة بسرعة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وسيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك، ولدنا الحبيب، في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، رب العرش العظيم، أن يشفيك ويعافيك، ويصرف عنك شر هذه الوساوس.
ثانيا: نحن ندرك -أيها الحبيب-، مدى المعاناة التي تعيشها بسبب الوسوسة، ولكن دواؤك وشفاؤك -بإذن الله تعالى- أمر سهل ويسير، إذا جاهدت نفسك على الأخذ والعمل بالنصائح النبوية التي وجهت إلى من أصيب بشيء من الوسواس، وهذه النصائح تتلخص في أمرين، هما: الشفاء المعنوي -أي العلاج الروحي للوسوسة-، والعلاج المادي.
فننصحك أولا بأن تأخذ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بجد، وتجاهد نفسك على العمل بها، ولعل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، فلا تحتاج إلى غيرها.
وأولى هذه الوصايا النبوية: تحقير الوساوس، وعدم الاعتناء بها، أو الاكتراث بمحتواها، مهما بدت لك متعلقة بتعظيم الدين، أو الخوف على الآخرة، أو الحذر من الذنوب، فهذه صورة خادعة من صور الوسواس الشيطاني، يحاول من خلالها الشيطان أن يلبس الباطل لباس الحق، ويجرك إلى العمل بمقتضى وساوسه، تحت مبررات ظاهرها الحرص على الدين، وباطنها مخالفة الهدي النبوي.
فينبغي أن تحتقر هذه الوساوس، وتوقن أنها من الشيطان، وأن الله تعالى لا يحبها، ولا يرضى منك العمل بها، بل يحب منك الإعراض عنها تماما، وأن تدرك أنها من خطوات الشيطان، فلا تبال بها، ولا تعتبرها دليلا على تعظيمك للدين، بل العكس هو الصحيح.
تحقير الوساوس هو الخطوة الأولى في طريق الشفاء، وهو ما يسهل عليك الإعراض عنها والانشغال بغيرها.
وسيرشدك الطبيب النفسي -إن راجعته- إلى بعض التمارين السلوكية التي تساعدك على التدرب على هذا التجاهل والإعراض.
الوصية النبوية الثانية: الاستعاذة بالله تعالى، وطلب الحماية منه؛ فكلما داهمتك الأفكار الوسواسية، فقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وانصرف عنها مباشرة إلى أمر آخر تشغل به نفسك، وهذا مأخوذ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فليستعذ بالله ولينته".
أما الوصية الثالثة: فهي الإكثار من ذكر الله تعالى؛ فإن الذكر حصن للمؤمن، وطمأنينة للقلب، وطارد للشيطان، ومصدر لقوة النفس وصفائها.
وأما الجانب المادي: فهو أيضا مطلوب؛ لأن الله تعالى قد يبتلي الإنسان بمرض عضوي، أو اضطراب في بعض وظائف الجسد؛ مما يؤدي إلى اختلالات تحتاج إلى إعادة توازن، وفي هذا الجانب يفيدك الإخوة الأطباء المتخصصون في الأمراض النفسية، والدوائية.
وأما ما ذكرته من أفعال أو أقوال سيئة بحق النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو غير ذلك مما يقلقك؛ فكلها من آثار الوساوس، ولا تؤاخذ بها، ولا يترتب عليها شيء، فلا تبال بها، ولا تقم عليها أحكاما؛ فالموسوس مريض، والله تعالى يعذره، ويخفف عنه ما لا يخفف عن الصحيح.
وقد دلت نصوص الشريعة على التخفيف عن المريض، كما قال تعالى في الصيام: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وفي الحج قال: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وفي الصلاة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، وهذا كله يدل على أن الشريعة تراعي حال المريض، وتخفف عنه، ومن جملة ذلك الموسوس، باتفاق الفقهاء؛ لأنه في حكم المريض.
فلا تظن أبدا أنك أسأت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أنك أذنبت بما يحصل لك من وساوس، أو ما تفعله تحت ضغطها، وإكراهها؛ فكل ذلك معفو عنه، والله تعالى يتجاوز عنك، ويسامحك؛ لأنه يعلم ما بك.
لكن عليك بالأخذ بالنصائح والتوجيهات؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء"، وقال: "تداووا عباد الله".
فلا تلتفت أبدا إلى الأفكار المرتبطة بحد القذف، أو غيره من أبواب الأحكام الشرعية، ولا تجعل للشيطان منفذا ليدخل إلى قلبك من هذه الأبواب، فيعكر عليك دينك، ويصرفك عن عبادتك.
واحذر كل الحذر أن يجرك الشيطان إلى ارتكاب حماقة تؤذي نفسك، أو تودي بحياتك، فتقع في أعظم الكبائر، وهي قتل النفس، فتستعجل عقوبة الله في الدنيا والآخرة؛ فإن قتل النفس من أكبر الجرائم، وأعظم الموبقات، وقد وردت النصوص الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من ذلك، فاحذر أن يجرك الشيطان إلى خاتمة سيئة.
نسأل الله أن يعيذك من الفتن، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يصرف عنك كيد الشيطان، وأن يعافيك عاجلا غير آجل.
___________________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكنور/ أحمد الفودعي -المستشار الشرعي-
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم - استشاري أول طب نفسي وإدمان-.
___________________________________________
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أيها الفاضل الكريم: الوسواس القهري يمكن أن يعالج بصورة فاعلة جدا، والعادة السرية يمكن للإنسان أن يتوقف عنها تماما، والآن هنالك دراسات تفيد بأن الذي واجه صعوبات تربوية شديدة في أثناء طفولته، وبعد البلوغ، ومع توفر الإدراك والأهلية التامة؛ يستطيع أن يعيد تربية نفسه على ما يراه من عادات وسلوك إيجابي، وجيد.
فيا -أيها الفاضل الكريم-: الأفكار الوسواسية دائما ما تكون أفكارا متصادمة مع ضمير الإنسان وقيمه، وتكون أيضا ضد مبادئ الفضيلة، فأرجو أن تتفهم أن هذه الأفكار يمكن أن تعالج.
طبعا من الأفضل أن تذهب إلى طبيب نفسي مسلم، له خبرة في علاج الوساوس القهرية، وأحسب أنهم في بلادكم -إن شاء الله- كثر ومتوفرون، وإن لم تتمكن من ذلك فأنا -إن شاء الله- سأضع لك خارطة علاجية بسيطة جدا.
المرحلة الأولى من العلاج: العلاج الدوائي، وهو مهم جدا؛ لأن أفكارك الوسواسية من النوع الذي يمكن حقيقة علاجه عن طريق الأدوية بصورة فاعلة، لكن العلاج الدوائي يجب أيضا أن يدعم بالتطبيقات السلوكية؛ حتى لا يصاب الإنسان بانتكاسة بعد التوقف من الدواء.
من أفضل الأدوية التي تعالج هذا النوع من الوساوس عقار يعرف باسم: "بروزاك" (Prozac)، هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي "فلوكستين" (Fluoxetine)، وربما تجده تحت مسميات تجارية أخرى في بلادكم.
• الجرعة هي: أن تبدأ بـ20 ملغرام يوميا، لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها كبسولتين (أي 40 ملغرام) يوميا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 60 ملغرام يوميا (أي ثلاث كبسولات يوميا)، ويمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة نهارا، وتستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ثلاثة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة.
• بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولتين يوميا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تجعلها كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر، وهذه هي الجرعة الوقائية، وللفترة الزمنية الوقائية.
• بعد انقضاء الستة أشهر، اجعل الجرعة كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
يدعم البروزاك -أو الفلوكستين- بدواء آخر يسمى "ريسبيريدون" (Risperidone)، هذا تتناوله بجرعة 1 ملغرام ليلا، لمدة شهر، ثم تجعل الجرعة 2 ملغرام ليلا لمدة شهرين، ثم 1 ملغرام ليلا لمدة شهرين، ثم تتوقف عن هذه الأدوية.
هذه هي أدوية الخط الأول؛ لأنه يوجد لدينا أدوية أخرى تستعمل في الخط الثاني، والخط الثالث، لكنها مخصصة لحالات الوساوس القهرية المعقدة.
أنا متفائل جدا أن حالتك ستستجيب لهذه التركيبة العلاجية الدوائية، وأرجو أن أشير إلى أن هذه الأدوية سليمة، وفاعلة، وغير إدمانية، وليس لها أي آثار سلبية على المنظومة الهرمونية الذكورية.
بجانب العلاج الدوائي، أريدك أن تطبق ثلاثة تمارين سلوكية:
1. التمرين الأول: التحقير، والرفض، والتجاهل لهذه الوساوس.
- لا تخض في تفاصيل الوسواس.
- اكتب الوساوس القهرية التي تعاني منها في ورقة، واجعلها في ثلاث أو أربع مجموعات.
- ابدأ بأضعف هذه الوساوس، وانته بأشدها.
- خاطب الوسواس مباشرة: قل "أنت وسواس حقير، أنا لن أهتم بك أبدا، أنت تضعفني" وهكذا.
- كرر هذا التمرين لمدة دقيقتين لكل مجموعة.
ثم انتقل للتمرين الثاني:
2. وهو صرف الانتباه، ومن خلال هذا التمرين:
- استدع في ذهنك فكرة إيجابية، ومشرقة؛ تخيل أنك قد سافرت إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة.
- تخيل لحظة اغتسالك، وارتدائك للإحرام، وانتقالك عبر وسيلة مواصلات إلى بيت الله الحرام.
- استحضر في خيالك مشهد دخولك إلى المسجد الحرام، ثم طوافك بالكعبة المشرفة، وسعيك بين الصفا والمروة، ثم حلقك لشعر رأسك أو تقصيره، حتى تتحلل من عمرتك.
- وبعد ذلك تصور أنك توجهت إلى المدينة المنورة، إلى طيبة الطيبة، حيث المسجد النبوي، ومقام النبي ﷺ، في رحلة إيمانية يملؤها الصفاء والسكينة.
- اجعل هذه الأفكار البديلة حاضرة كلما جاءك الوسواس والفكر السلبي.
ثم تنتقل مباشرة للتمرين الثالث:
3. العلاج بالتنفير: حيث يعتمد هذا التمرين على إقران الفكرة الوسواسية بمؤثر سلبي يحدث نفورا لدى النفس؛ مما يساعد على إضعاف أثر الوسواس بمرور الوقت، ويتم ذلك على النحو الآتي:
• عند ورود الفكرة الوسواسية، بادر فورا بفعل شيء تنفر منه النفس، مثل: ضرب يدك بقوة على سطح الطاولة، أو استنشاق رائحة كريهة ومزعجة، أو تخيل مشهد مزعج جدا كاحتراق سيارة أمامك، المهم أن تجتمع الفكرة الوسواسية مع هذا المؤثر المنفر في نفس اللحظة، بحيث يرتبط العقل بين الاثنين.
• يكرر هذا التمرين 20 مرة متتالية في كل جلسة، وهو تمرين فعال للغاية، إذا ما طبق بانتظام وبجدية.
إذا: ثلاثة تمارين فاعلة، ممتازة، ومثبتة علميا، وبعد أن تطبق هذه التمارين الثلاثة على المجموعة الأولى، انتقل إلى المجموعة الثانية، ثم الثالثة، وهكذا.
بجانب الدواء والعلاج السلوكي التنفيري، أرجوك أيضا أن تستفيد من وقتك، ويظهر أنك لا تعمل، ولا تدرس، وهذا الفراغ يعتبر تربة خصبة لسيطرة الوساوس واستجلابها، فأرجو أن تستفد من وقتك، وأيضا مارس الرياضة، واحرص على العبادات، وكن بارا بوالديك، وتواصل مع أصدقائك؛ هذا كله -إن شاء الله- فيه خير كثير لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.