السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في السابعة عشرة من عمري، في بداية بلوغي، انجرفت بالخطأ شيئا فشيئا إلى عالم الإباحية حتى أدمنته، وعمري كان خمس عشرة سنة.
كنت أتوب في كل مرة وأحاول الابتعاد عنها، فكانت انتكاساتي تحدث بعد شهر على الأقل، ومع مرور الوقت، وقعت في العادة السرية، فزاد لومي لنفسي، وعزمت على ترك الإباحية نهائيا، وبالفعل، ها أنا ذا ما زلت تاركا لها منذ شهر يناير تقريبا.
لكن الذكريات الإباحية لا تفارقني، وأقع بسببها في العادة السرية دون مشاهدة الإباحية، والآن أنا على أبواب الثانوية العامة، فهل هذا يعني أن الله لن يوفقني، أو سيحول دون نجاحي بالمعدل الذي أريده؟
مع العلم أن دراستي لم تتأثر والحمد لله، بل كنت أشعر أن الله دائما يهديني إلى أفضل الاختيارات وأحسنها، وأحفظ بسرعة والحمد لله.
امتحاناتي في الحادي والثلاثين من هذا الشهر، ووقعت في العادة في الخامس من الشهر، فهل سيؤثر ذلك على أدائي في الامتحانات؟ وكيف أعود إلى الله عز وجل؟ وهل سترافقني هذه الذكريات طوال عمري؟ فوالله إني تعبت من نفسي كثيرا، وأصبحت أحتقر نفسي كثيرا، فما السبيل للعودة؟!
والأدهى والأمر أنني حسن الخلق، لا أسب ولا أقذف المحصنات، بل إني معروف بخلقي الحسن، وهذا الأمر يطعنني من الداخل.
وبالمناسبة: أنا أحاول الابتعاد عن هذه الأفكار بتشتيت الذهن أو القيام من مكان جلوسي، ولكن أحيانا تغلبني، فما السبيل للخلاص، مع العلم أنني غير قادر على الزواج؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، نشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال، وأن يكتب لك النجاح والفلاح، هو ولي ذلك والقادر عليه.
لا يخفى على أمثالك -ابننا الكريم- أن الشيطان يحزن إذا تبنا، ويندب إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعامل عدونا الشيطان بعكس قصده، كلما ذكرك الشيطان بما كان من التقصير، فاستغفر العزيز الغفور، الرحيم، التواب، الذي ما سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم.
وإذا وجد الشيطان منك هذا الرجوع إلى الله، فإن الشيطان سيندم ويبتعد عنك؛ لأنه يشعر أنك تكسب حسنات، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، ومن وسائل إدخاله الحزن على المؤمن: أن يذكره بما حصل من التقصير، عندها تذكر أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ولو فرضنا أنك بعد التوبة ضعفت، فتب مرة أخرى، وارجع إلى الله -تبارك وتعالى- فـ ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾، واجتهد في تفادي أسباب الوقوع في الخطأ والزلل، ثم بعد ذلك استمر في الطاعات، وأكثر من الحسنات الماحية، فـ ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾.
ولو حصل بعد ذلك تقصير آخر، فجدد التوبة، وارجع إلى الله، فقد قيل للحسن البصري: نتوب ثم نعود، نتوب ثم نعود، إلى متى؟ قال: "حتى يكون الشيطان هو المخذول".
وفي الحديث القدسي قال ﷺ: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك، فنسأل الله أن يعينك على قهر عدونا.
والإنسان أيضا بعد أن يتوب ينبغي أن يبحث عن أسباب الانتكاسة، فإن بيئة المعصية، ورفقة المعصية، ومشاهد المعصية، هذه كلها تذكر بالعودة إلى المعصية.
كذلك أيضا وجود الإنسان وحده، وكذلك عدم الاشتغال؛ يعني الإنسان الفارغ الذي ليس عنده عمل، ونعتقد أن المذاكرة فيها فرصة كبيرة؛ لأن الإنسان ينشغل بطلب العلم، وينشغل بالاجتهاد، وهذا كله مفيد.
وما دمت -ولله الحمد- تندم على التقصير، وتستغفر الغفور الرحيم سبحانه وتعالى، فإن هذا لن يضرك -بإذن الله- في امتحانك، واجتهد في أن تبتعد عن كل ما يثير عندك الشهوات، وحاول نسيان كل ما يذكرك بالماضي، وجاهد نفسك، فإنك في جهاد، جهاد النفس والهوى والشيطان، ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين﴾.
وإذا وسوس لك الشيطان فكما قلنا عليك أن تغير الموضوع، وحسنا ما تفعله، لكن حاول أن تنتقل إلى مادة أخرى، أو تتصل بصديق، وتقترب من والديك، أو تقوم لتصلي لله ركعتين، المهم كل ذلك مما تكسر به تسلسل هذه الوساوس، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير.
وإذا علم الإنسان أن الذي يذكره ليحزنه هو الشيطان، وإذا تذكر أن الله أمرنا بمعاداة الشيطان ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا﴾، حتى لو ذكرك بالماضي، قل: "ذاك ماض غفره الغفور" ثم امض ولا تتوقف.
وإذا كنت -ولله الحمد- حسن الخلق، معروفا بالخير بين الناس، فهذا دليل على أنك على خير، نسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الوسوسة التي يريد الشيطان بها أن يحزنك، وأن يشتت ذهنك، وأن يشغلك عن الطاعات، وأن يعطلك عن معالي الأمور، وعلاج ذلك بإهمال وساوس الشيطان، والإكثار من ذكر الرحمن.
نحن نثق أن هذه الأحداث لن تؤثر على أدائك في الامتحانات -بإذن الله-، وأن الله تعالى لن يتخلى عنك، فالله مطلع على قلبك، ويعلم ما فيه من طهر، ومن رغبة جادة في التوبة، ومن بغض للمعصية، ومن ندم يملأ هذا القلب، والله عز وجل أرحم بك من أن يتركك لعدوك الشيطان، فأبشر بتوفيق الله عز وجل.
نسأل الله أن يكتب لك النجاح والفلاح.