السؤال
السلام عليكم.
لدي أخت أصغر مني، تبلغ من العمر ٢٠ عاما، تداوم على بعض الطاعات، ولكن منذ سنة تقريبا صارت تعامل أمنا بأسلوب وقح، وصارت تعقها كثيرا، وتتعمد ذلك، وقد حاولت أن أكلمها، وأن أنصحها كثيرا بود، وبطريقة محترمة، ولكن هذه الطريقة لم تجد معها؛ إذ أنها صارت تتمادى في عقوقها، وفي إصرارها عليه، وأمي طيبة القلب لا تعاقبها، لكنها تعاتبها كثيرا، وتأمرها بأن تتراجع عن هذا السلوك، وأنها غير راضية عنه، وتعتبره عقوقا، ولكن أختي لا تبالي بكلامها، وتصر على فعلها رغم تحذيرات أمي التي قد دامت لأكثر من سنة، ولكن بدون جدوى.
أمي لا تعاقبها، وأبي يعمل طبيبا، وأحيانا لا يجد الوقت الكافي للأسرة، وأحيانا عندما تخبره والدتي بما يجري لا يعطي للموضوع أهمية كبيرة جدا رغم خطورته، فقط يهددها، ويوبخها قليلا، ولكن ذلك ليس كافيا.
وأنا شخصيا لست مرتاحا لهذا؛ فأحيانا لا أتمالك أعصابي، وأرد عليها وقت كلامها الحاد، والذي لا يخلو من القول السيء والوقح في حق والدتي، بحجة أنها عندما كانت صغيرة لم تتلق الرعاية والحضانة المثالية -على حد وصفها لوالدتي-، فأرد عليها بكلام قاس، أو حتى أمسك رأسها وأهزه ردا عن والدتي، وتغييرا للمنكر، ولم أضربها أبدا طوال تلك الفترة إلا قليلا، وهذا الأمر لم يحدث مرة أو مرتين، بل كانت تتمادى كثيرا؛ لدرجة الشعور كما لو أنها هي الأم في البيت، وأن الأم هي الابنة!
هي لا تحترمني بتاتا، وغالبا ما توجه لي كلاما حادا وقت ردي عليها عن والدتي، وفي الحقيقة لدى والدتي بعض التصرفات التي تستفزنا جميعا، ولكن الله أوصى بالإحسان لها، حتى لو أسفوك التراب، ولا عذر لها في فعلها.
كما أن من الأمور الجيدة فيها هو أن أختي فيها بعض الصفات الحميدة جدا؛ كتأدية بعض الطاعات.
نحن عزاب، ونسكن في بيت واحد، فأفتوني في أمري.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام بأمر هذه الأخت، والحرص على النصح لها، ونسأل الله أن يهديها لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
وأرجو أن يتذكر الجميع أن حق الوالدين عظيم، وهم أولى الناس بالطاعة، والبر، والإحسان بعد الخالق العظيم، الذي ربط حق الوالدين بعبادته وطاعته، فقال سبحانه: ﴿وٱعبدوا ٱلله ولا تشركوا به شيـۭٔا وبٱلوٰلدين إحسـٰنۭا﴾، وقال: ﴿وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبٱلوٰلدين إحسانا﴾، حتى ورد أن ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "لا يقبل الله عبادة من لا يطيع والديه" من هذا التلازم.
إذا علم هذا، فإن حق الأم مضاعف: "أمك، ثم أمك، ثم أمك" حقها مضاعف، وهذا ما ينبغي أن تذكر به ابنتنا، ويكرر لها هذا المعنى العظيم؛ لأنها ستتضرر كثيرا في حياتها بسبب هذا العقوق، الذي هو معصية كبرى، وسبب للشؤم، وسبب لعدم التوفيق، وسبب لعدم رضا الله -تبارك وتعالى- إلى غير ذلك من الآفات الكبرى التي يمكن أن تصيب هذه الفتاة العاقة المقصرة.
وعليها أن تعلم أن الصبر على الوالدة من البر، وإذا لم يصبر الإنسان على أمه -حتى لو كان عندها تصرفات، أو شيء- فعلى ماذا يكون الصبر؟ ومع من يكون الصبر؟
كما أرجو أيضا أن تجتهدوا في الإحسان لهذه الشقيقة؛ بذكر محاسنها، والاعتراف بفضلها، ومعرفة المدخل الجيد إلى نفسها، ثم بعد ذلك تشجيعها على بر الوالدة، ونحن لا نريد مقابلة الخطأ منها بخطأ أو بعنف؛ لأن هذا -كما هو واضح- يجعلها تزيد في التمادي والعناد لكم وللوالدة.
ولكن الوالدة عليها أن تكثر الدعاء لها؛ لعل الله -تبارك وتعالى- أن يهديها، وأنتم أيضا اهتموا بلحظات برها وإحسانها، ولا تهتموا أو تبالوا بعقوقها، حتى لا يأتيها الشيطان ويدعوها إلى العناد والمكابرة.
وما يحصل من البنت مع الوالدة -حتى لو كان مجرد رفع صوت- هذا يعتبر عقوقا، فكيف إذا كان هناك إساءة؟ والإنسان ليس له أن يقول لوالده أو والدته: "أنتم قصرتم لما كنت صغيرا، وأريد الآن أن أنتقم منكم"، إذا قصر الوالد أو قصرت الوالدة، فالذي يحاسب هو الله، وحق الوالدين عظيم، لا يستطيع إنسان أن يحاسبهم، قال ﷺ: لا يجزي ولد والدا، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه، فيعتقه.
عليها أن تعرف ذلك، واستمروا في نصحها، ونتمنى أن تغيروا طريقة التعامل مع هذه الأخت، وعليكم أن تجتهدوا في أن تقوموا أنتم ببر هذه الوالدة، والإحسان إليها، حتى تشعر أن هناك من يقوم ببرها، ويكون في هذا درس أيضا لهذه الأخت العاقة المقصرة، ولأنها على خطر عظيم، فنحن نريد أن تحولوا الغضب منها إلى شفقة وخوف عليها، ونسأل الله أن يردها إلى الحق ردا جميلا.
وبالله التوفيق.