السؤال
ابنتي عمرها 12 عاما، لكنها لم تحض حتى الآن، اعترفت لي أمس أنها شاهدت مشاهد غير لائقة، وكانت خائفة من الله ومنهارة، تبكي وترتعش، عندما سألتها: "منذ متى؟"، قالت: "منذ زمن، عندما كنت طفلة في الخامسة من عمري" لكنني لا أصدق ذلك تماما؛ لأنها لم تكن تملك هاتفا في ذلك الوقت، وأشعر أن الأمر حدث مؤخرا، لكنها من شدة الخجل تقول إنه في الماضي.
طمأنتها وطلبت منها أن تكمل الحديث، وسألتها: "هل كان إعلانا، أو صورة ظهرت بالخطأ؟"، فقالت: "لا، أنا من كنت أبحث عنها للأسف" أخبرتها أن تستغفر الله، وألا تفعل ذلك مرة أخرى، لكنها كانت منهارة جدا، وعندما سهرت لأتابعها، لاحظت أنها تأخذ الوسادة بطريقة غريبة.
لا أعرف كيف أتكلم معها، فهي صغيرة، وجسمها نحيف، وحساسة جدا جدا، كانت تبكي وتقول: "لا أعرف كيف فعلت ذلك".
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم البنات حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أختنا الفاضلة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
بداية، مثل هذه القضايا تحتاج إلى وعي عميق في طريقة التعامل معها، حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية، أو تتسبب في صدمة نفسية سلبية، وسأعرض لك طريقة التعامل مع الموقف من عدة جوانب باختصار:
أولا: التعامل النفسي الفوري:
في هذا العمر، من المهم ألا تعاملي الطفلة بقسوة وكأنها "مذنبة" أو ارتكبت ذنبا عظيما، بل كطفلة وقعت في فضول طبيعي، لكن من خلال طريق خاطئ، الشعور القاسي بالذنب قد يدفعها إلى الكذب، أو الإخفاء بدل المصارحة، وهذا يفتح بابا لسلوكيات أكثر خطورة، أو تأثيرا على نفسيتها، تجنبي الضغط بأسئلة كثيرة عن الماضي، أو عن السبب، وتجنبي نبرة التأنيب القاسية؛ لأنها تزيد من خجلها وارتباكها، وتضعف الثقة بينكما.
في هذه المرحلة، الأمان والاحتواء العاطفي أمران أساسيان: احتضنيها جسديا، وأكثري من الكلمات اللطيفة، فهذا يعزز شعورها بالتقدير والأمان رغم الخطأ الذي حدث.
ثانيا: التربية الوقائية (الحماية):
بأسلوب هادئ وحواري، اشرحي لها أن بعض الصور، أو المقاطع، تؤذي العقل والنفس، وتغضب الله تعالى، وأنها لا تمثل ديننا ولا قيمنا، وضحي لها أن الفضول في هذا العمر أمر طبيعي، لكن إشباعه يجب أن يكون من مصادر سليمة وموثوقة (كتب، دروس علمية، حوار معك).
ثالثا: ضبط البيئة التقنية بذكاء:
ضعي الأجهزة في مكان عام في المنزل، وقللي استخدامها في ساعات الليل، استخدمي برامج حماية من المحتوى غير اللائق، لكن قدمي الأمر على أنه "إعدادات أمان للأسرة" لا "عقوبة" وفري أنشطة بديلة تبعدها عن التفكير في الأمر، مثل: ممارسة الرياضة، الهوايات، قراءة القصص، الأنشطة الخارجية، والرحلات العائلية.
رابعا: المتابعة العملية المستمرة:
المراهق في هذا العمر يحتاج متابعة تمزج بين الحب والحرص والوعي، فتركه يفعل ما يشاء بحجة الحرية، قد يعرضه لتجارب ضارة نفسيا وجسديا.
نظمي لها وقت النوم لتقليل السهر والعزلة، وأقيموا جلسة أسبوعية معها (معك أو مع والدها) للحوار حول الحياة، والأسئلة التي تدور في ذهنها.
راقبي أي تغيرات في المزاج، أو السلوك (مثل الانطواء، أو العصبية، أو العزلة)؛ لأن تكرار مشاهدة هذا المحتوى قد يؤدي إلى تعلق، أو إدمان يحتاج لتدخل مبكر.
خامسا: إذا لاحظت استمرار الانجذاب لهذه المواد رغم النصيحة، يمكن اللجوء إلى خطوات أكثر صرامة، كالشرح المباشر لخطورة هذا المحتوى، وتأثيره على النفس والدماغ، مع تذكيرها برقابة الله -عز وجل- الذي يطلع على ما نفعل ونقول، ويرى ويسمع كل أحوالنا، ويحب من يطيعه ويجازيه بالخير خيرا، ويعاقب من يسيء.
في هذه المرحلة، ابدئي بمراقبة صديقاتها المقربات منها، وطبيعة شخصية من يحيط بها من الفتيات على المستوى القريب والبعيد، كالمدرسة ونحوها، فإذا استمر تطور الأمر، ووصل الى عدم الامتناع أو الإدمان، قد يكون من المناسب -مع تكرار العلاج السابق- حرمانها من الأجهزة أو الإنترنت إلا للضرورة، وتحت إشراف مباشر.
أخيرا: أختنا الفاضلة: لا تغفلي عن الدعاء لها، وغرس القيم الدينية والأخلاق الإسلامية في قلبها، حتى يصبح لها وازع ذاتي يمنعها من الخطأ، البيئة الأسرية هي القدوة والنموذج العملي، فللأسرة دور كبير في تنمية الوازع الأخلاقي لدى الأطفال، من خلال القدوة والتعايش، فعندما ينشأ الطفل وهو يعرف الحلال والحرام، والخطأ والصواب، يساعده ذلك بقوة على "ترك المنكرات" وتكوين الخجل الاجتماعي في جانبه الإيجابي.
ساعديها على تكوين ببيئة صالحة كمدارس التحفيظ، أو الأنشطة الهادفة، اصحبيها معك لتعيش أجواء تربوية وأخلاقية، تساعدها على النسيان والتجاوز، فالطفل يتفاعل بسرعة في البيئة الجمعية.
تذكري دائما أن علاقتك بها يجب أن تكون مصدر الأمان الذي تلجأ إليه وتشعر معه بالثقة، حتى لا تخفي عنك أي خطأ في المستقبل.
وفقك الله، ويسر أمرك.