السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على جهودكم في نصح المسلمين وتوجيههم، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
أكتب إليكم طالبا استشارة ونصيحة، فقد أصبحت أشعر بقسوة في قلبي، وألاحظ تأخري المؤلم في أداء الصلاة عن وقتها، كثيرا ما أنام عن صلاة العشاء والفجر، وأحيانا أؤخر صلاة الظهر حتى يدخل وقت العصر، وأصلي العصر قريبا من المغرب، مما يشعرني بأن قلبي لم يعد يبالي بذلك كما كان سابقا.
أشعر أن الآخرة، والموت، والقبر، والعذاب، أصبحت أمورا لا تؤثر في قلبي كما ينبغي، رغم يقيني بأنها حق، إلا أنني لا أتفاعل معها بتلك الخشية، التي كانت ترافقني في السابق، أصبحت الدنيا أهم عندي من الآخرة، وهذا يؤلمني بشدة.
أعيش الآن في دولة أوروبية، ولا أجد من يعينني على طاعة الله، ورغم أنني لا أقع في الكبائر -والحمد لله- إلا أنني ابتليت بالتكاسل عن الصلاة وتأخيرها، وأعاني من ضعف واضح في الالتزام بقراءة القرآن والأذكار، وأشعر أن الإيمان في قلبي يعاني من ضعف شديد.
أعلم أن تأخير الصلاة عن وقتها من الكبائر، وأخشى أن أموت على هذا الحال، فكيف أتوب توبة صادقة يقبلها الله؟ وكيف أعود إليه بقلب خاشع، وأجعل صلاتي أولوية في حياتي، رغم ما أواجهه من تعب وانشغال وضعف في الهمة، خاصة أن أوقات المغرب والعشاء والفجر هنا متأخرة، ويغلبني فيها النوم أو الإرهاق.
أرجو منكم توجيهي بما ينفعني، وأسأل الله أن يعينني على طاعته، ويثبتني على دينه، وأن يجعل هذه الاستشارة بابا من أبواب الرجوع إليه.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم يزن حفظها الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك أختنا الفاضلة في موقع استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
بداية، نبشرك -أختنا الفاضلة- أن ما تشعرين به من خوف من الذنب، وحنين للرجوع إلى الله، هو علامة خير، ودليل حياة في القلب، فهذه النفس اللوامة التي تؤنبك على التقصير وتحثك على التغيير، هي نفس يريد الله بها خيرا، لذلك، اعلمي أن ما تمرين به من حالة ضعف وتراجع، لا ينبغي أن تتسبب لك في الإحباط، واليأس من رحمة الله وفضله، فهذا طريق يريده الشيطان ليقنطك من رحمة الله، ويجعلك تغرقين في التقصير والضعف، لذلك فتح الله باب التوبة والإنابة والرجوع إليه، مهما كانت الذنوب، قال سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) بل لا بد أن يكون دافعا لك في التوبة وإصلاح الذات.
اعلمي أن أولى خطوات الإصلاح، تبدأ بشعور الإنسان بالندم على ما فرط في جنب الله، والشعور بالتقصير أمام فيض نعمه وعظيم فضله، مع خوف من عقابه، ورجاء رحمته وتوفيقه في الدنيا، وجنته في الآخرة، وهذا هو الدافع للخير وإعادة الاستقامة.
ولتحريك هذه المشاعر في القلب، عليك بكثرة التفكر في عظمة الله وأفضاله العظيمة، في مقابل تقصير النفس وجهلها، وكذلك تفكر العقل في سرعة انقضاء الحياة، وتفاهة الدنيا التي نعطيها أعمارنا واهتمامنا، بعيدا عن طاعة الله، وهي لا تستحق، مقابل الآخرة الباقية التي فيها الفوز الحقيقي، فحين يتفكر القلب في هذا بصدق، تنبعث منه عزيمة الإصلاح، وتشتعل فيه جذوة الشوق إلى الله.
إن وجدت في نفسك، ولو بصيصا من هذه الرغبة، فلا تترددي، بل بادري إلى تغذية روحك بما يحييها، وأعظم ما يحيي القلب هو ذكر الله مع حضور القلب، ابدئي بتلاوة القرآن بتدبر، وأكثري من الدعاء بقلب منكسر، تظهرين فيه ضعفك وفقرك إلى ربك، واطلبي منه أن يأخذ بيدك إلى النجاة مما تعانين، فالدعاء بصدق وتذلل، وسؤال الله العون والثبات، هو مفتاح إصلاح القلب وتطهير النفس.
ثم مع هذا الأمر المهم، لا بد أن تعلمي -وفقك الله- أن أعظم ما يدفع الجوارح للطاعات، ويحرك العزيمة للخيرات، هو قوة الإيمان، فالإيمان أشبه بـ"دينامو" يدفع الجوارح للخير، فمن قوي إيمانه نشطت معه الجوارح في الخير، ومن ضعف إيمانه ضعف معه القلب عن الخير، فكل فتور وضعف وهم وانشغال عن الله، مرده إلى ضعف الإيمان، وكل همة وعزيمة واستقامة، فأساسها قوة الإيمان وصفاء القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
ولا تظني -بارك الله فيك- أن زيادة الإيمان أمر مستحيل أو صعب، بل هو ممكن ويسير لكل من صدق مع الله، فالإيمان يزيد بالطاعات والقربات، وينقص بالمعاصي والسيئات، لذلك ننصحك بمجموعة من الأمور التي تعينك على زيادة الإيمان والثبات على الخير -بإذن الله تعالى-:
1. احذري من احتقار وتجاهل صغائر الذنوب، فإنها إذا تراكمت مع الغفلة وعدم التوبة أظلمت القلب، وربما أهلكته، كما قال بعض السلف: "الصغائر إذا اجتمعت على القلب أهلكته".
2. التدرج في بناء الإيمان مهم للغاية، وعدم استعجال النتائج؛ ابدئي بالفرائض وأديها في وقتها، ثم ثابري على النوافل، ولو قليلا، فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
3. ركزي على أعمال القلوب: كالخشوع، والرجاء، والخوف، والإخلاص، وسائر الأحوال القلبية التي تقوي الصلة بالله.
4. ادعي الله دائما، في سجودك، وفي ساعات السحر، وفي الأوقات الفاضلة، فإذا قوي الإيمان في القلب، اندفعت الجوارح للطاعة، واشتد عزم النفس على مقاومة الشهوات والبعد عن المعاصي.
5. تذكري دائما أن الإيمان "ليس بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل"، فالإيمان الصادق يحتاج إلى سعي وجد واجتهاد وصبر، حتى تذوقي ثماره المباركة: سعادة، وطمأنينة، وقربا من الله، لهذا قرن الله بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع كثيرة من القرآن، كقوله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة".
6. لا تنتظري الحلول من الخارج لتغير واقعك، بل كوني أنت المبادرة، وابدئي التغيير من نفسك، وأبشري، فقد وعد الله من اجتهد وصدق في إصلاح نفسه ببلوغ الغايات، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).
وللفائدة راجعي الاستشارات المرتبطة: (237831 - 229490 - 16751 - 278495 - 24251 - 2133618).
وفقك الله، ويسر أمرك، وألهمك رشدك.