لا أدري ما ينتظرني في الآخرة جراء نفاد صبري، وانهيار قواي!

0 0

السؤال

السلام عليكم.

ولدت بحالة تسمى طبيا: تضخم الرأس (Macrocephaly)، ومع مرور الوقت استمر نمو عظام الجمجمة بوتيرة متسارعة، بينما بقية العظام في الجسم، -وخاصة الأطراف الأربعة- بقيت طفولية تقريبا.

عندما بلغت 16 سنة بدأت معاناتي الحقيقية؛ لأنني عندها صرت مدركا، ومميزا، ومن وقتها إلى الآن، وبعد أن صار عمري 42 سنة، وأنا في معاناة حقيقية، تمخض عنها إصابتي بالأمراض النفسية بالجملة: الاكتئاب الحاد، والرهاب الاجتماعي الفظيع، والوساوس القهرية، واختلال الأنية، وعقدة النقص، وغيرها، ولا أدري ما الباقي، والله المستعان، وعليه التكلان.

السبب الرئيسي في اختلال الأنية عندي -حسب تصوري- هو أنه أثناء تلك المعاناة، كنت أتخيل نفسي بشخصيات ذات تركيبة جسمانية سوية، غير مشوهة، حتى انتهى بي الحال منفصلا عن ذاتي، فاقدا للشغف، يائسا من الحياة بكل ما فيها.

حاولت الصبر، والتصبر، مع يقيني التام بحكمة الله البالغة، وفضله السابغ، وعدله التام، إلا أنني فشلت، وفقدت الأمل في الشفاء، والتصالح النفسي، وقبول جسمي، ولا أريد سوى الموت، وأصبحت إنسانا حقودا حتى على أتفه المواقف، قاطعا لرحمه، بارد العلاقة مع والديه، لم أعد أطيق رؤية أحد، أو أن يراني أحد، ربما باستثناء الأطفال الصغار.

ليتني لم أولد، ولم أر هذه الحياة التي تعذبت فيها، ولا أدري ما ينتظرني في الآخرة جراء نفاد صبري، وانهيار قواي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وقد فهمت رسالتك بوضوح، كما أن حالة تضخم الرأس التي ولدت بها، وكذلك ما تبعها من نمو الأطراف، واضحة لدي تماما، وأتصور حالتك من الناحية الطبية بكل دقة -يا أخي الكريم-، وفي الوقت ذاته أدرك تماما ما تعانيه من وضع نفسي، الأمر واضح جدا، وبالرغم مما يعتريك من مشاعر سلبية -وأنت معذور في ذلك-، إلا أن يقينك الراسخ بحكمة الله البالغة، وفضله، وعدله الكامل، هو في الحقيقة جوهر المسألة، وأساسها.

ما أشرت إليه من مشاعر تحمل شيئا من الحقد على الآخرين، وما يصحب ذلك من غضب، وبرود في علاقتك مع والدك، وكل ما سردته من جوانب سلبية، أرى -والله أعلم- أنها مجرد مشاعر عارضة؛ فهي مشاعر سطحية ذات طابع وسواسي.

أخي الكريم: أنت فيك خير كثير، وقناعاتك العميقة تحمل جوانب إيجابية واضحة، وألتمس لك العذر في بعض ما قد يطرأ عليك -لا أصفه بالتشوهات الفكرية-، بل حين تعتريك نوبات من عسر المزاج، أو شيء من -لا أقول السآمة أو اليأس- بل بعض المشاعر السلبية العابرة من الناحية الوجدانية.

أخي الكريم: أرجو منك أن تعيد النظر كليا في تلك الأفكار السلبية التي تسيطر عليك، وأن تتجاوزها، وتترفع عنها، وأن تعزز قناعاتك الإيجابية، وترسخها، وتضخمها، واجعل من إيمانك العميق بحكمة الله تعالى زادا ودافعا لك في مسيرتك في هذه الحياة.

وأحب أن أذكرك -أخي الكريم- أن هناك من ولدوا باختلافات خلقية متعددة -ولا أصفها بالتشوهات الخلقية-، ومع ذلك تراهم -والحمد لله- يتقبلون ما هم عليه، ويجتهدون في مواجهة الحياة؛ فمنهم من ولد بلا أطراف، ومنهم من يعيش على كرسي متحرك، وغير ذلك، فأنت -أخي الكريم- شخص مستبصر، وصياغتك لرسالتك وتعبيرك يدل على مهارات عظيمة تمتلكها، فأرجو أن تنتبه لهذه الجوانب.

أدعوك أن تنخرط في جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة، -أيا كانوا-؛ فهذه جمعيات ممتازة، وسوف تعطيك الكثير من القناعات الإيجابية، وسوف تسخر طاقاتك لمساعدة الآخرين، وسوف تكتشف أنه مهما كان لديك من هذه التغيرات في جسدك، فأنت -والحمد لله تعالى- أفضل من أناس كثيرين، أرجو أن تنخرط في إحدى هذه الجمعيات.

ذكرت أنك تعمل أعمالا حرة، فأرجو أن تطور عملك، وتنهض مهنيا؛ فهذا مهم جدا، وأن تجعل لنفسك أهدافا في الحياة: ادخل مثلا في مشروع لحفظ أجزاء من القرآن الكريم، أو الدخول في دراسات غير نظامية، وهذا كله متاح -يا أخي-، وموجود، فأرجو أن تحاول بناء منظومة فكرية جديدة، على الأسس التي ذكرتها لك، وأنا أعرف أنك مدرك لكل ما ذكرته لك، نعم، أعرف ذلك تماما.

أخي الكريم: موضوع اضطرابات الأنية، واختلال الأنية، وقصة الوساوس، هذه نحن نعترف بها طبعا كتشخيصات، وأنت لك القدرة والدافعية لتحقير الوسواس، ولتجاهل الوسواس، ولصرف الانتباه عن الوسواس، وللتنفير من الوسواس، هذا كله أنا متأكد أنك مدرك له.

لا بأس أبدا أن تتناول أحد الأدوية المحسنة للمزاج، أحد الأدوية التي تعالج الوساوس، وهي كثيرة، ومفيدة: فعقار مثل الـ (فولكستين)، أو مثل الـ (سيرترالين)، أو مثل (اسيتالوبرام)، بجرعة معقولة، هو مفيد جدا، وسليم جدا، وسوف يعود عليك -إن شاء الله تعالى- بعائد علاجي إيجابي.

فيمكنك -أخي الكريم- أن تقابل أحد الأطباء النفسيين حول موضوع الأدوية، وإن اقتنعت بأحد هذه الأدوية، فأنا أعتقد أن الاسيتالوبرام دواء رائع جدا، ويمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة من الحبة التي تحتوي على 10 ملغ، أي تتناول 5 ملغ لمدة عشرة أيام، بعد ذلك تجعلها 10 ملغ يوميا لمدة شهر، ثم تجعلها 20 ملغ يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها 10 ملغ يوميا لمدة ستة أشهر، ثم تجعلها 5 ملغ يوميا لمدة شهر، ثم 5 ملغ يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناوله. هو دواء رائع، وفاعل جدا، وسليم، وغير إدماني، فقط ربما يزيد شهيتك نحو الطعام قليلا، وبالنسبة للمتزوجين ربما يؤخر القذف المنوي قليلا عند الجماع، لكنه دواء لا يؤثر على الصحة الإنجابية، أو الصحة الذكورية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ خالد عبد الله الصبري، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_________________________________________

أخي الكريم: لا بد أن تعلم أن من أركان الإيمان الستة، الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله عز وجل، وأن تعلم أن هذه الدنيا دار ممر لا دار مقر، وأنها سحابة صيف تنقشع، لا سحابة شتاء تمطر، والابتلاء في هذه الحياة لا يخلو منه بنو الإنسان، قال الله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ [البلد: 4]، وقال أيضا: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ [البقرة: 155]، كما قال سبحانه: ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ [الزمر: 10].

ثم إذا نظرنا إلى ما ورد في السنة النبوية الغراء من مصابرة الإنسان لهذه الحياة، نجد الأحاديث الكثيرة المستفيضة عن نبينا محمد ﷺ، ومنها قوله ﷺ: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له [رواه مسلم]، فالمؤمن في كلا الحالين على خير وإيمان.

ولا بد أن تعلم أيضا أن الابتلاء من الله يكون علامة خير يريده الله بعبده، ففي حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة [رواه الترمذي].

ولا يجوز في حق المؤمن أن يتمنى الموت، أو أن يكدر حياته وصفوها بسبب الابتلاء؛ ففي الحديث عن النبي ﷺ قال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي [متفق عليه].

فيا -أخي عبد الله-: لست وحدك في هذا المضمار؛ فقوافل الابتلاء لا تنقطع، وهنالك من هو أشد منك بلاء، فأبعد اليأس من قلبك، وتوجه إلى ربك؛ فلعلك بهذا الابتلاء تفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.

ولمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة هذه الروابط: (278495 - 2110600).

وفي الختام: أسأل الله –يا أخي عبد الله– أن تكون من عباد الله الصالحين، وأن يزيد إيمانك، ويشرح صدرك، اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات