عند الاستيقاظ من النوم أشعر بالبعد عن الله، فما توجيهكم؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هناك شيء يزعجني، فعندما أستيقظ من النوم أشعر بأن الله بعيد مني، وأنا أذكره كثيرا، وهذا الشيء غالبا ما يتكرر، وبعض الأحيان أشعر بأن الله قريب مني جدا، وأشعر أن دعوتي مستجابة، وبعد قليل أشعر أنه بعيد عني، وأنا أذكره كثيرا، ولا أغفل عن ذكره، ولا أتأخر في صلاتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زين العابدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا، وييسر لك أسباب الخيرات، ويعينك على أنواع القربات.

ونحن مسرورون جدا -أيها الحبيب- بما قرأناه في كلامك من أنك تعيش أحوالا تشعر فيها بالقرب من ربك، وأنك دائم الذكر لله تعالى، ومبتعد عن الغفلة، وكل هذه علامات وأمارات على أن الله -سبحانه وتعالى- يريد بك الخير، فنسأل الله تعالى أن يتمم عليك النعمة، ويديم عليك الفضل، ويهدي قلبك، ويعينك على حسن العبادة، والإكثار من الطاعة.

وأما ما تجده -أيها الحبيب- من الشعور أحيانا ببعدك عن الله تعالى، فهذا قد يكون نتيجة لغفلة وقعت فيها، أو سهو، أو اشتغال النفس بأمر عارض عليها من أمور الدنيا، ونحو ذلك من الأسباب، وهذا يحصل للإنسان، وليس شيئا مستغربا، فقد قال النبي ﷺ: "إن المؤمن خلق مفتنا ‌توابا ‌نسيا، إذا ذكر ذكر".

فالإنسان من طبعه يغفل ويقسو قلبه أحيانا، وينسى أحيانا أخرى، ولكنه مأمور بالمجاهدة والصبر على طرد هذه الغفلة، والتخلص من هذا النسيان، وهذه المجاهدة هي في حد ذاتها عمل صالح وقربة يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، وكلما جاهد نفسه، وكلما قاوم هذه الأسباب الملهية الشاغلة عن ذكر الله، كلما أعانه الله تعالى وزاده هدى فوق الهدى السابق، كما قال سبحانه في كتابه الكريم: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين}.

فالله تعالى معك أثناء مجاهدتك لنفسك، وأثناء تقلبات هذه الأحوال بك، فالله تعالى لا يغفل عنك وإن غفلت، ولا تغيب عنه -سبحانه وتعالى- وهو أقرب لكل واحد منا من حبل الوريد، أقرب إليه بعلمه وإحاطته.

وهناك قرب خاص من أحبابه، وهو القرب والمعية التي تقتضي الحفظ والإلهام إلى الطاعة وتيسير الأمور، فالله تعالى مطلع على أحوالك كلها، أنت الذي قد تشعر أحيانا بالبعد عنه والغفلة عن ذكره، فإذا شعرت بذلك فبادر وسارع إلى تجديد العهد بالله تعالى، بالتوبة وكثرة الاستغفار وكثرة الذكر.

وبهذه الطريقة تغذي قلبك، فيستعيد نشاطه وحياته، فالذكر هو مادة الحياة لهذا القلب، وكلما قويت فيه الحياة كلما قويت وظائفه وأعماله التي يؤديها، ويصل إلى حال الاطمئنان، إلى ذكر الله تعالى، كما قال الله عز وجل: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

فلا تنزعج كثيرا إذا من هذه المشاعر التي تنتابك، والتي تجدها في نفسك أحيانا؛ فهي مشاعر طبيعية، تحصل بمقتضى طبيعة هذا الإنسان، وقد كان الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- يجدون هذا الشعور، وهم أفضل منك، وأسبق إلى الطاعات منك؛ فكان الواحد منهم يتهم نفسه بالنفاق، لما يجد في نفسه من الغفلة عندما يشتغل بأمور دنياه.

كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، أن حنظلة الأسيدي قال لأبي بكر: "لقد نافق ‌حنظلة"، ثم لما سأله أبو بكر عن هذا الكلام وسببه، وصف له حاله وأنه يتغير حاله، فبعد أن يكون في مجلس الرسول ﷺ ويتذكر الآخرة، كأنه يرى الجنة والنار رأي العين، ثم يخرج من ذلك المجلس ويذهب إلى بيته وأهله وزوجاته وأمواله؛ فيتغير قلبه.

فأبو بكر شاركه هذا الشعور أيضا، ثم لما ذهبوا إلى النبي ﷺ قال لهم: لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات.

يعني أن الإنسان يتقلب بين هذه الأحوال، فهناك ساعات قد يقل فيه ذكره، وتقل فيه أحواله الإيمانية الكاملة، ولكن هو مأمور بدوام المجاهدة لهذه النفس، والمحاولة في إشغال نفسه بما يرضى الله تعالى، وهذه طبيعة الحياة التي يعيشها في هذه الدار.

فكن مطمئنا، وداوم على أداء الفرائض، وجاهد نفسك على ذلك، وأكثر من النوافل، وخير ما نوصيك به الرفقة الصالحة والصحبة الطيبة، وحاول أن تتعرف إلى الرجال الطيبين، والشباب الصالحين في الحي الذي أنت فيه، وداوم على حضور الصلاة في المساجد، وستجد نفسك -بإذن الله- تترقى يوما بعد يوم.

نسأل الله تعالى أن يلهمك الصواب، وأن يهديك سبل الرشاد، وأن يعينك على الخيرات.

مواد ذات صلة

الاستشارات