أحتاج الزواج لكثرة الفتن من حولي وأهلي لا يساعدونني، فماذا أفعل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا في السنة الثانية من الجامعة، كنت أعتقد أن الشعور بالشهوة أمر معيب، وأن الله خلقها فينا لنجاهدها، وأن الزواج لا يكون إلا بعد التخرج من الجامعة، في سن معينة، لكنني بدأت أستمع إلى بعض الشروحات التي تتحدث عن مشروعية الزواج عند قرب البلوغ، وتتناول الموضوع من جوانب دينية، ومادية، واستطاعة، ففهمت حينها أن الأمر لا يتعلق بالسن، وإنما بتوفر شروط معينة.

عندها بدأت أسعى لاكتساب ما ينقصني من هذه الشروط، وبما أنني أدرس الطب، كان من الصعب علي أن أعمل عملا يتطلب جهدا بدنيا منتظما، نظرا لضغط الدراسة، لذلك قررت أن أبدأ مشروعا بفكرة مميزة، ليكون أسهل من الوظيفة المباشرة، لم أوفق في ذلك المشروع، لكنني تعلمت من أسباب فشلي، وبدأت أعمل على مشروع آخر، ومع ذلك شعرت أن هذه المحاولات غير عملية، لأنها لا تخدم تخصصي الطبي، وتستنزف وقتي، بينما تحتاج المشاريع إلى وقت طويل حتى تدر دخلا يعتد به.

لذا، قررت اللجوء إلى أهلي لطلب الدعم، حتى أتمكن من التفرغ للدراسة، والعمل في مجال يطور مهاراتي الطبية، بدلا من الانشغال بأمور بعيدة عن تخصصي كما كنت أفعل سابقا، ولكن مع شعوري بأن الزواج بات ممكنا، بدأت أضعف أمام فتنة النساء، وأدركت أننا كثيرا ما نعقد الأمور على أنفسنا.

فأنا -والحمد لله- أتمتع بمقومات عديدة؛ كالنسب، والحسب، والصفات الخلقية المحمودة، وسمعة طيبة، وأصلي في المسجد بفضل الله، ومن عائلة غنية -ما شاء الله- وأسأل الله أن يستخدمني في طاعته، ومع ذلك، أجد أن الزواج صار أمرا صعبا، وأشعر أن تشدد أهلي في مواصفات الزوجة هو أحد أسباب تأخري في الزواج.

هذا كله جعلني -للأسف- أقع أحيانا في مشاهدة ما لا يرضي الله، أو في الاستمناء، وهي أمور أعلم أنها تصرف الرزق وتذهب البركة، لذلك، بدأت منذ شهرين في حفظ القرآن، وأصوم يومين في الأسبوع، وأسأل الله الثبات، وأشعر أن الزواج حق لكل إنسان، فحتى أفقر الناس يمكن أن يجد من تناسبه، إننا نحن من نصعب الأمر، ولسنا عاجزين، بل نعقده بأيدينا.

أهلي يضيقون علي بحجة أن ذلك لمصلحتي، لكنهم لا يشعرون بما أعانيه، وقد أصبحت أضعف أمام الفتنة رغم ضيقي من ذلك، فكلما أقدمت على عمل صالح، أجد نفسي أضيع أجره بأعمال تحبطه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخانا الكريم- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية: نسأل الله لك التوفيق في حياتك، وأن ييسر أمورك في طاعته، وما طرحته يحتاج لوقفات كثيرة نحاول أن نوجزها في نقاط سريعة.

أولا: الشهوة ليست عيبا، بل هي نعمة عظيمة، فالله -سبحانه وتعالى- خلق الشهوة في الإنسان لحكمة، وهي وسيلة لاستمرار الحياة واختبار للعبد، وقد قال رسول الله ﷺ: وفي بضع أحدكم صدقة، فقالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر، وهذا يدل على أن الشهوة لا تجاهد بذاتها، وإنما توجه وتضبط.

ثانيا: الزواج ليس مربوطا بالسن بل بالاستطاعة أولا، وتدور عليه الأحكام التكليفة الخمسة، فالشرع ربط الزواج بالاستطاعة، والنبي ﷺ قال: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، و"الباءة" تعني القدرة الجسدية والمالية والمعنوية على الزواج، وهي نسبية تختلف من شخص لآخر.

لذلك، طلبك للزواج الآن أمر مشروع جدا، بل محمود، ما دمت تجد في نفسك القدرة والرغبة، وترى أنك ستعف نفسك.

ثالثا: محاولاتك للمشاريع والعمل ليست فاشلة، بل هي خبرات وتجارب، فشل المشروع ليس فشلا لك، بل تجربة وتعلم.

كل الناجحين كانت لهم محاولات فاشلة، لكن من الذكاء أن توجه مشاريعك نحو ما يخدم دراستك وتخصصك، كما قررت في النهاية، وهذا عين الصواب، ويزيد من فرص النجاح والتميز.

رابعا: أهلك لا يرفضون الزواج لعداوة، بل بدافع الحماية، فنظرتهم في الغالب ليست عدوانية، بل نابعة من خوف وحرص، ولكنهم لا يشعرون بشدة الابتلاء الذي تمر به، وربما يرون أن زواج طالب الطب مخاطرة، أو يقلقون من عدم استقرارك المالي، لكنهم يحتاجون إلى من يوصل لهم الواقع بطريقة ناضجة.

لذلك حاول أن تدخل معهم في حوار صريح تشرح فيه كل ما تريده وترغب في تحقيقه حتى تزول مخاوفهم.

خامسا: ما تمر به من فتنة النساء والضعف أمامه أمر طبيعي في زمن كثرت فيه الفتن والشهوات، لا تظن أن هذا خاص بك، فكثير من الشباب يعيشون نفس الصراع، ولكن الفرق في رد الفعل، فمنهم من يسقط ويستسلم، ومنهم من يجاهد ويتوب ويتعثر ويقوم.

وأنت بحمد الله من الفريق الذي يجاهد نفسه ويسعى إلى الحلال الطيب، ولو سقطت مرات، فإنك لم تبرر لنفسك المعصية ولم ترض بها، لذلك عليك المبادرة للتوبة والاجتهاد في الخيرات والطاعات.

سادسا: كيف توازن بين جهاد الشهوة وتأخر الزواج؟ وهذا الأمر يحتاج منك إلى توازن ووعي لتحقيق النتائج على مسارين:

• المسار الأول: الوسائل الشرعية:
أولا: يتمثل بالعلاج النبوي، وهو الصيام، والانشغال بطاعة الله والأعمال التي تزكي النفس وتصرف عنها التفكير في الشهوات مثل: الإكثار من ذكر الله، وحفظ القرآن، وأعمال البر والإحسان.

ثانيا: الصحبة الصالحة، ابتعد عن كل ما يزين لك الشهوات أو يرغبك فيها أو يهون فعل المعاصي في قلبك.

ثالثا: البعد عن المثيرات، وهذا مهم جدا، لا تقترب من وسائل تفتح عليك باب الفتنة، كمواقع التواصل، أو الاختلاط المريب، أو العلاقات المشبوهة ونحوها.

• المسار الثاني: مشروع زواج عملي:
أولا: لا تيأس من إقناع أهلك بالزواج، لكن غير طريقة الطلب، اجعل الأمر مدروسا ومخططا له بعناية، أخبرهم أن الفتن حولك شديدة، وأنك ترى الزواج كعامل استقرار ودافع للنجاح، وليس تشتيتا.

ثانيا: لا تتوقف عن التوبة مهما وقعت في الذنب، لا تجعل الشيطان يوهمك أن صلاتك أو صيامك ذهب هباء، بل استمر؛ فالله كريم، يغفر ويبدل السيئات حسنات.

أخيرا: أخانا الفاضل، أنت على خير، ولن يضيعك الله إن صدقت معه، وسترى الفرج قريبا مع مجاهدة النفس على الخير، قال سبحانه: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾.

وفقك الله ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات