رغم التوبة تحرقني حرارة الذنب، فماذا أفعل لأريح نفسي؟

0 12

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أصوم رمضان منذ كنت طفلا، ولم أشرب الخمر أبدا، ولا أدخن السجائر، وراتبي محول على بنك إسلامي، وأحاول أن تكون حياتي مستقيمة منذ صغري، أبر والدتي وقبلها والدي رحمه الله، ولم أطلق زوجتي في فترة ذروة إصابتها بانفصام شخصية شديد، وأصلي الصلوات، وأساعد من أستطيع.

لكن قبل عشرين عاما أغواني الشيطان وزنيت مرة، ولم أزن بعدها، وأبكي حتى الآن على ذلك ليلا ونهارا، وأتذكر الموقف وأشعر بالخوف من الموت حتى لا يسألني الله عن تلك الكبيرة، ووالله لم أكن أخاف الموت أبدا إلا بعد هذه الكبيرة، وأسأل نفسي: كيف أقف أمام الله؟ وكيف أطلب شفاعة النبي ﷺ وأنا أحمل هذا الذنب العظيم؟

أنقذوني وادعوا لي أن يغفر الله لي، وماذا أفعل لكي أكفر عما فعلت؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك ويطهر قلبك.

ونحب أن نبشرك أولا -أيها الحبيب- بفضل الله تعالى ورحمته بعباده، ومن رحمته لعباده أنه فتح لهم باب التوبة، فباب التوبة مفتوح لا يغلق حتى تبلغ الروح الحلقوم، وحتى تطلع الشمس من مغربها.

ونحن نهنئك بفضل الله تعالى عليك حين رزقك الإنابة إليه، والتوبة إليه قبل أن يغلق عليك هذا الباب، فاحمد الله تعالى حمدا كثيرا، واشكره على نعمة الهداية، وأد حق هذه النعمة، ومن حقها أن تحسن عملك بعد ما فعلت من الذنب، وأن تحاسب نفسك على الدوام على أداء فرائض الله تعالى عليك، سواء كانت فرائض أمرك بفعلها -كالصلاة والزكاة ونحو ذلك من الأوامر- أو كانت فرائض فرض عليك اجتنابها وتركها، وذلك سائر المحرمات.

فاشكر نعمة الله تعالى عليك الذي ألهمك الندم والتوبة قبل موتك، واعلم -أيها الحبيب- أن توبة الله تعالى على عباده لا يتعاظمها شيء، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعا إذا تاب منها صاحبها، مهما بلغ ذلك الذنب ومهما عظم، فقد أخبرنا القرآن الكريم عن توبة الله تعالى على أنواع المجرمين، فقد تاب الله تعالى على المشركين الذين يحاربون دين الله تعالى ويصدون عن سبيله، وتاب على الذين يسبون الله تعالى، وتاب على الزناة، والسراق، وقطاع الطرق، وأكلة الربا، وغير ذلك من أنواع الجرائم، التي ذكر الله تعالى في كتابه العزيز توبته تعالى على من تاب من أصحابها.

والزنا بوجه الخصوص قد ذكره الله تعالى في القرآن حين وصف عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان، قال سبحانه في وصفهم: {...ولا يزنون * ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.

فهذه الآيات فيها بشارة عظيمة للمؤمن الذي وقع في جريمة الزنا ثم تاب توبة صادقة صالحة، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.

والتوبة الصادقة -أيها الحبيب- هي التوبة التي تستكمل أركانها، وأركانها ثلاثة:
- أولها الندم، وهو وجع القلب بسبب فعل الذنب.
- والثاني من الأركان: العزم المؤكد في القلب أنه لن يرجع إلى هذا الذنب في المستقبل.
- والركن الثالث: الإقلاع عن الذنب في الوقت الحاضر.

فإذا فعل الإنسان هذه الأركان الثلاثة، فإن توبته تقبل، يقبلها الله؛ لأنه أخبر عن نفسه بذلك في كتابه، فقال سبحانه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}.

والتوبة يمحو الله تعالى بها الذنب، كما سلف في الآية السابقة، فإن الله يبدل السيئة بسبب التوبة إلى حسنة، وقد قال الرسول ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

فنحن نقول -أيها الحبيب-: ينبغي أن تحسن ظنك بالله تعالى، وتعلق أملك به، وظنك الحسن فيه سبحانه، تظن أنه سيقبل توبتك ويغفر ذنبك، وهو على كل شيء قدير، وتجعل من هذا الذنب منطلقا للاستزادة من العمل الصالح، فإن الإنسان قد يقدر الله تعالى عليه أن يقع في الذنب ليتوب، فتكون توبته بعد الذنب أحسن من حاله قبل وقوعه في الذنب، فلله -سبحانه وتعالى- الحكمة البالغة.

نوصيك -أيها الحبيب- أن تأخذ بالأسباب التي تعينك على الثبات على التوبة، ومن أهم تلك الأسباب: الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، فتتعرف على الصالحين، ولا سيما طلبة العلم والعباد الذين تستزيد معهم من الخيرات، وتقوي عزيمتك معهم على الصالحات، فهذه وصية الرسول ﷺ.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير، وأن يزيدك هدى وصلاحا، ويأخذ بيدك إلى كل ما يحبه ويرضاه.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات