أتعرض للأذى في محيطي الاجتماعي، فكيف أحفظ نفسي وكرامتي؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شخص أمتلك كفاءات وميزات يشهد بها الناس، لكنني أتعرض للأذى من بعض الأشخاص في محيطي الاجتماعي، حيث أضطر للتواجد معهم باستمرار، بعضهم يسيء إلي بوضوح، بل وأحيانا أمام الناس، مثل شخص كبير بالسن أمسك يدي بقوة مؤلمة، ثم دفعني أمام الحاضرين بطريقة مؤذية، ولكن غير واضحة لهم، ولأنني أحرص على سمعتي ومكانتي، أتجنب ردات الفعل العنيفة وأضبط نفسي.

هناك من يصرخ علي علنا، أو يتجاهلني ويصدني، أو يتهمني ظلما أمام الآخرين، وإذا حاولت التوضيح أواجه جدالا أو إساءة أكبر، ما يجعل بعض الناس يصدقون هذه الاتهامات، يبدو أن الغيرة والحسد والحقد هي دوافعهم، وليس لي تجاههم أي إساءة، بل أتعامل معهم رسميا وبشكل سطحي، ورغم أن هذا الأسلوب خفف من الأذى قليلا، إلا إنني لا أزال أتعرض للظلم ونظرات الحقد،.

أتساءل: هل من الصواب أن أكلم هؤلاء على انفراد، وأوضح لهم أنني لا أقبل تصرفاتهم؟ وماذا لو كرروا أذاهم؟ أنا لا أريد التراجع عن أنشطتي الاجتماعية التي أتميز بها، بل أريد الاستمرار رغم كل شيء، أطلب إرشادكم فيما أحفظ به نفسي وكرامتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي العزيز: لقد ذكرت أن الله أنعم عليك بقدرات وصفات يشهد بها الناس، وأنك تتحلى بروح اجتماعية ومبادرة في خدمة الآخرين، ولا شك أن العمل التطوعي أو العام، يتطلب صفات خاصة، يمكن صقلها بالتدريب والخبرة، حتى يواصل المرء أداء رسالته الإنسانية التي يحث عليها ديننا الحنيف، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ [المائدة: 2] لكن عليك أن تدرك أن مواجهة الأذى أمر وارد، في سبيل تحقيق القيم السامية، شريطة ألا يكون ذلك على حساب كرامتك، أو قبول أي إساءة من الآخرين.

ويستفاد من هذا الحديث أن المشاركة الإيجابية في المجتمع وأعمال الخير، تتطلب صبرا على ما قد يصاحبها من إساءة، لكن الصبر لا يعني الاستسلام للظلم أو التنازل عن الحقوق، بل يعني ضبط النفس، والاستمرار في فعل الخير، دون أن تثنيك تصرفات البعض، وفي حال تعمد أحد إهانتك أمام الآخرين، فعبر عن رفضك لذلك بهدوء وحزم، وبأسلوب مهذب، يوضح أنك لا تقبل هذا النوع من التعامل.

لقد أحسنت صنعا في ضبط انفعالاتك وردود أفعالك، بما يحافظ على علاقاتك الاجتماعية، لكن لا تسمح لهذه المواقف أن تؤثر سلبا على عطائك، أو تمنعك من تقديم العون لمن يحتاج.

ضع خطة عملية لتعزيز مهاراتك في التعامل مع مختلف الشخصيات، ولا تنس أن هناك من يقدر جهدك ويكن لك الاحترام، على عكس من تحركه الغيرة أو الحسد تجاه نجاحك وقبولك لدى الآخرين، يبدو أنك تجتهد في الوصول إلى حلول مرضية بخصوص هذه الأزمة، ومحاولاتك -كما ذكرت- تخفف من هذا الضرر، ولكن استمرار هؤلاء في طريقتهم غير المناسبة، والتي تؤذيك بقصد أو بدون قصد، أدى إلى اقتراحك لحلول عقلانية وواقعية، مثل التحدث مع من يناسبه ذلك على انفراد، ولكن ذلك أيضا يحتاج إلى مهارة في تحسين علاقاتك معهم، وإرسال رسائل إيجابية لهم، وتقبل بعض التصرفات مع التوجيه بلطف، فربما أن ذلك يأتي بنتائج إيجابية تنعكس على تعاملاتك معهم.

ولا تجعل مثل هذه الأمور تثنيك عن أداء رسالتك الإنسانية السامية، في الأنشطة الاجتماعية، التي أنعم الله عليك أنك متميز فيها، وكلما ركزت في الإنجاز والتميز يكون ذلك تخفيفا من معاناتك في ردود الأفعال معك.

لا شك أن مواجهة مثل هذه المواقف تحتاج إلى قدر من الحكمة والصبر، مع وضوح الرؤية في كيفية التعامل مع الآخرين، دون التفريط في الحقوق أو الكرامة، ولأنك تسعى للاستمرار في رسالتك الاجتماعية الراقية، فمن المهم امتلاك خطة عملية؛ تساعدك على تجاوز التحديات بهدوء وثقة.

وفي هذا السياق، إليك مجموعة من التوصيات العملية المعينة على مواجهة هذه المشكلة:

1. استحضار النية الصالحة والإخلاص: اجعل نيتك في نشاطك الاجتماعي خالصة لوجه الله تعالى، فالإخلاص يحصن قلبك من أثر كلمات الناس، قال رسول الله ﷺ: ‌إنما ‌الأعمال ‌بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى [رواه البخاري ومسلم].

2. الصبر وكظم الغيظ: تعامل مع الأذى بالصبر والحلم، دون أن تسمح بإهانتك، قال تعالى: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾ [آل عمران: 134]، والصبر هنا يعني ضبط النفس وحسن الرد، لا الخضوع للظلم.

3. الحزم اللطيف في الرد: إذا واجهت إهانة، فبإمكانك الرد بحزم مهذب، مثل قول عبارة بصيغة الجمع: "أرجو منك أن نتحدث باحترام، فهذا ما أقبله لنفسي ولك"، وهذا يحقق التوازن بين حفظ الكرامة وتجنب التصعيد.

4. النصيحة الفردية بالحكمة: قال تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل: 125]، فإن لزم الأمر، تحدث مع من يسيء إليك على انفراد وبأسلوب هادئ، موضحا أنك لا تقبل هذا التصرف، وأن حسن التعامل يقوي العلاقات.

5. الاستعانة بالدعاء والأذكار: أكثر من هذا الدعاء، فقد ورد عن النبي ﷺ في قصة الغلام وأصحاب الأخدود: ‌اللهم ‌اكفنيهم ‌بما ‌شئت، ولا تنس أن تدعو لهم بالهداية أيضا، وداوم على الأذكار المأثورة، فهي تحفظك من شرور الحسد والبغضاء.

6. مخالطة الناس مع الصبر: قال رسول الله ﷺ: المؤمن الذي ‌يخالط ‌الناس، ‌ويصبر ‌على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم [رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني]، إذا عليك أن تواصل أنشطتك، ولا تدع الأذى يثنيك عن ذلك، فإن الأجر مرتبط بالصبر والتحمل.

7. التركيز على الإنجاز وإظهار القدوة الحسنة: كن قدوة بالأخلاق والعمل، فالأفعال أبلغ رد على أي إساءة، وكلما رأى الناس نجاحك وتعاملك الراقي، زال أثر أي اتهام أو إساءة.

8. اختيار الصحبة الصالحة: أحط نفسك بمن يقدر جهودك ويعينك على الخير، قال رسول الله ﷺ: ‌المرء ‌على ‌دين ‌خليله، فلينظر أحدكم من يخالل [رواه الترمذي].

9. العفو دون تنازل عن الكرامة: العفو باب عظيم للأجر، لكن دون أن يكون ضعفا أو قبولا للإهانة، قال تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح فأجره على الله﴾ [الشورى: 40].

10. تحويل الأذى إلى دافع للتميز: اعتبر الأذى ابتلاء يراد به رفع درجتك عند الله، قال تعالى: ﴿وبشر الصابرين﴾ [البقرة: 155].

أسأل الله أن يحفظك من كل سوء، وأن يعوضك خيرا عما تواجهه، ويمنحك الصبر والعزيمة لمواصلة طريقك في الخير دون أن يثنيك أحد.

مواد ذات صلة

الاستشارات