السؤال
السلام عليكم
أنا طبيبة، ومؤخرا رفعت قضية خلع على طليقي، أشعر في كل لحظة أنه إذا كنت ظالمة له، فلن أدخل الجنة.
سبب اتخاذي لهذا القرار كان نتيجة عصبيته المفرطة، إذ كان دائما ما يتصل بوالدي عند حدوث أي مشكلة، ويقول: "لا أحتاج ابنتكم"، ثم يندم ويرجعني لاحقا، وقد طلقني مرتين لأسباب تافهة جدا .
يعاني من شك دائم وسوء ظن، لا يفهم كلامي، يحب التسلط، ولا يعترف بأخطائه.
عندما كنت وحدي، صبرت، لكن الآن لدي بنتان، ومعاملته لي سببت لي مرضا نفسيا، أصبحت دائمة القلق والخوف، وحتى تجاه بناتي خفت من أن أقصر في تربيتهم وسط هذا الجو المشحون.
لا أنكر وجود محاسن له، لكن نفسيا استنزفت، ولم أعد أستطيع التحمل، حتى والدي تعبا من الأمر، وذكروا لي إذا رجعت أنهم سيتبرؤون مني؛ لأنهم يؤمنون أنه لن يتغير، فشخصيته هكذا.
أنا أستخير الله وأدعوه أن يدلني على الطريق الصحيح كل يوم، لقد تعبت، ولا أعرف أين يكمن الخير لي ولبناتي!
من فضلكم، أرشدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أختنا الكريمة، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
الذي ننصح به دائما عدم التعجل بالطلاق أو بطلب الفسخ، طالما ويمكن إيجاد حلول لبقاء الأسرة متماسكة، فالإسلام متشوف لعدم إيقاع الطلاق ولبقاء الأسرة متماسكة، والطلاق لا يكون حلا إلا إذا صارت الحياة مستحيلة، وسوف أذكر لك ولزوجك بعض النصائح:
زوجك لا يزال فيه خير في نظري، رغم أنه -كما يبدو- عصبي، بدليل أنه حينما يهدأ يعتذر ويتأسف، وهذا يدل أنه يعرف خطأه.
لعلكما أثناء حصول أي مشكلة تقومان بالنقاش ومحاولة حلها في نفس الوقت، وهذا أسلوب خاطئ؛ لأن الأفضل في حل أي مشكلة أن يكون بعد ذهاب الغضب وتهدأ العاصفة.
إن رمي كل طرف منكما بأنه هو السبب يعقد المشكلة، واعتراف كل منكما أنه هو السبب وأنه مشارك، يسهل في حل المشكلة، حتى لو كان الطرف الآخر لا دخل له في المشكلة؛ لأن الاعتراف يجعل الشخص يسعى لإيجاد الحل، بخلاف الذي لا يعترف، فإنه ينتظر من الطرف الآخر حلا سحريا، ولن يكون ذلك.
نوصيكما بالمحافظة على أذكار اليوم والليلة، ومنها أذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الطعام والخروج والدخول من البيت؛ ففي ذلك وقاية من الشيطان الرجيم، الذي هو سبب كبير من أسباب الغضب وجعل الإنسان عصبيا.
نوصي زوجك أن يأتي بذكر الدخول للمسجد، وهو: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، من الشيطان الرجيم)؛ لأنه إن قال ذلك عند دخوله المسجد، تنحى عنه الشيطان، وقال: وقي مني يومه ذاك، ومن الوقاية ألا ينفخ فيه فيجعله يغضب.
بعض الرجال لا يحسنون التعامل مع زوجاتهم، ويعاملونهن معاملة غليظة وجافة، وهذا بسبب جهلهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبما تحمله المرأة من مشاعر، فهم يريدون منهن أن يكن بنفس المواصفات التي هم عليها، وهذا لا شك مستحيل؛ لذلك فإن على زوجك أن يعلم ما سأذكره هنا:
أ- المرأة صاحبة مشاعر جياشة، تحركها العواطف أكثر من العقل؛ ولذلك ينبغي على الزوج أن يعي ذلك، فيراعي مشاعر زوجته ويتعامل معها بلطف، وهذا لا يعني أن ينحني لها في كل ما تطلبه، ولقد أمرنا الله أن نعاشر النساء بالمعروف، فقال: (وعاشروهن بالمعروف)، وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر فقال: (رفقا بالقوارير)، وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وقال: (واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا).
ب- المرأة خلقت من ضلع أعوج، ولا يمكن أن تكتمل صفاتها، فيجب على الرجل أن يقبلها كما هي، ويحاول إصلاحها برفق ولين حسبما يستطيع، ففي حديث أبي هريرة، الذي رواه مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها آخر) أو قال: غيره.
لقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بمداراة الزوجة حتى تستمر الحياة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فدارها تعش بها)، ومعنى المداراة: المجاملة والملاينة.
ومن الأحاديث في إحسان التعامل مع النساء، قوله عليه الصلاة والسلام: (خياركم خياركم لنسائهم)، فمن الخطأ أن تجد بعض الأزواج يحسن التعامل مع الناس خارج البيت، ويهش ويبش في وجوههم، ويتلطف معهم، ويتحمل أذيتهم، ولكنه مع أهله قاس فظ غليظ.
ومن أساليب حسن التعامل مع الزوجة: الرفق بها، وخدمتها، وتخفيف الأعباء عنها، فعن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
ومن ذلك غض الطرف عن هفواتها، ومسامحتها، وعدم الأخذ بالخاطر منها، فقد تكون معذورة في كثير من تصرفاتها، فهي بشر، وليست حديدا ولا آلة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (شدة الوطأة على النساء مذموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرة قومه).
على زوجك أن يعلم أن الغضب يجمع الشر كله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، فيما أخرجه البخاري، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال: (لا تغضب). فردد مرارا، فقال: (لا تغضب).
- قال ابن التين: "جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تغضب) خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من دينه".
عليكما أن تجتنبا جميع الأسباب التي تهيج الغضب عندك، أو عند زوجك، حتى ولو كانت -كما تقولين- إنها أسباب تافهة.
على زوجك إذا أحس بالغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ففي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
- وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله، سكن غضبه).
- نوصي زوجك في حال اشتداد الغضب عنده بالسكوت، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا غضب أحدكم فليسكت).
- فإن لم يسكن غضبه، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن لم يسكن غضبه بعد الاستعاذة، فإن كان قائما فليجلس، أو قاعدا فليتكئ، أو متكئا فليضطجع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع).
قال العلامة الخطابي -رحمه الله- في *معالم السنن*، وهو يذكر فوائد هذا التوجيه النبوي: (القائم متهيئ للحركة والبطش، والقاعد دونه في هذا المعنى، والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد)، والله أعلم.
فإن لم ينفع ما سبق، فعلى زوجك أن يقوم فيتوضأ، فذلك يدفع الغضب ويسكنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
على زوجك أن يتذكر ما أعد الله لعباده المؤمنين الذين يجتنبون أسباب الغضب، ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده، فذلك من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب؛ ومما صح من الأجر العظيم، قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء).
على زوجك أن يعلم مساوئ الغضب، وما قد يترتب عليه، فشدة الغضب قد توصل الإنسان إلى أن يقتل، فقد روى مسلم في صحيحه عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال:( إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال: نعم، قتلته، قال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبني، فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه، فقتلته...)
عليه أن يتذكر فضيلة كظم الغيظ، وأنها من صفة المحسنين الذين يحبهم الحق سبحانه، قال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ۗ والله يحب المحسنين).
على زوجك أن يدرك أن أسرا تفككت وتهدمت، وعلاقات تقطعت، ودماء سفكت، كل ذلك في ساعة غضب لم يحسب لها حساب؛ ولذا فإننا نوصيه أن يجاهد نفسه، وأن يتحلى بصفة الحلم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري، أنه قال: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
من صفاتك الحسنة أنك تخافين الله وعقوبته، وأنك تعرفين أن طلب الطلاق بغير سبب من أسباب حرمان دخول الجنة، لما رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة).
- نوصيك أن تصبري على زوجك، فلن يبقى على هذه الحال، بل ستتحسن أخلاقه بإذن الله، خصوصا إن عمل بمقتضى هذه الاستشارة، وفي حال عدم تحسنه، فالذي ننصح به هو ما حكم الله به، وذلك أن تحكمي شخصا من أهلك، وهو يحكم شخصا من أهله، ممن يريدون الإصلاح ومن أهل العقول الراجحة، وعلى كل منكما أن يقدم شكواه للحكمين، وعليكما قبول ما سيحكمان به، قال ربنا الرحيم الودود في كتابه الكريم: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ۚ إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ۗ إن الله كان عليما خبيرا).
الغاضب لا يدري ما يخرج من فمه و-العياذ بالله-، فقد يتلفظ بالكفر أحيانا وهو لا يشعر؛ لذلك أوصيك بأن ترحمي زوجك؛ لأن ما يصدر منه من غير رضاه، وقوله لوالدك: (لا حاجة لي بابنتكم) ليست من قلبه، بدليل أنه يعود فيندم ويعتذر لك، وهذا يدل على أنه يعرف أخطاءه، وليس كما ذكرت أنه لا يعترف بذلك، وأنا على يقين أنك إن أشغلت نفسك بمعالجته وإصلاحه، فإنه سينصلح بإذن الله تعالى، وأنت مأجورة عند الله تعالى.
أنت طبيبة، كما ذكرت في استشارتك، والطبيب صبور على معالجة مرضاه، وزوجك أولى بالمعالجة والصبر عليه، والله تعالى يقول: (ولا تنسوا الفضل بينكم ۚ إن الله بما تعملون بصير)، وأنت قد ذكرت أن له صفات حسنة، ثم هو والد بناتك، ولعله إن حصلت الفرقة بينكما أن يأتي وقت تندمين أشد الندم على طلبك للطلاق، فاصبري وتحملي زوجك، فالصبر عاقبته حسنة.
الحياة الزوجية مبنية على التفاهم والثقة بين الزوجين، واهتزاز الثقة بينهما وتولد الشك، ناتجان عن وساوس الشيطان الرجيم، وقد سبق أن ذكرنا علاج ذلك.
نحن نقدر ما وصلت إليه من التعب النفسي لكثرة المشاكل، ولكن عليك أن تستعيني بالله، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (استعن بالله ولا تعجز).
عليك أن تتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وسليه أن يصلح لك زوجك، وكوني على يقين أن الله تعالى سيستجيب دعاءك.
- استغلي أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وعند نزول المطر، ويوم الجمعة ما بين العصر والمغرب، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وبإذن الله تعالى ستجاب دعوتك، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والمثل يقول: (وعند الصباح يحمد القوم السرى).
- أنصحكما ألا تظهرا مشاكلكما أمام البنات، ولا تحولا إصلاح المشكلة أمامهن، فذلك يؤثر على نفسيتهن.
- كما أوصيكما ألا تعالجا المشكلة عند حدوثها، بل أجلا ذلك حتى تهدأ النفوس؛ فذلك أجدر أن تكون الحلول سليمة؛ لأن حل المشاكل حال حصولها، مثله كمثل من يصب البنزين على النار، فتزداد اشتعالا، وهذا ما فهمه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فحين تغاضب علي رضي الله عنه مع زوجته فاطمة، ترك البيت وخرج إلى المسجد، وحين أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه، قيل له: هو في المسجد، فأتاه وهو نائم، وقد التصق التراب بجسده، فقال: (قم أبا تراب، قم أبا تراب).
والداك لن يتخليا عنك، وهما أشد الناس حرصا على سعادتك، فاطلبي منهما الدعاء أن يصلح الله زوجك، وأن يجعل حياتكما هادئة وسعيدة، فدعوة الوالد لولده مستجابة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يسعدكما في حياتكما، ويصلح ذريتكما، إنه سميع مجيب.