كيف أقاوم الظلم الواقع علي في العمل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

أعمل حاليا كممرضة في مصحة لأمراض القلب، وأحب عملي؛0 لأنني أحب مساعدة الناس والسعي في خدمتهم، لكن في الآونة الأخيرة، تعرضت لظلم لا مثيل له من قبل المشرفة التي تكبرني، حيث تعرضت للصراخ والسخرية، وأحيانا تطلب مني العمل لساعات إضافية دون أجر، مما يسبب لي قلقا دائما، وبكاء، وإزعاجا نفسيا.

تحدثت في الموضوع معها، لكن دون جدوى، فهي إنسانة ظالمة جدا، وأنا لا أستطيع ترك هذا العمل؛ بسبب ظروفي الصعبة، ولا يوجد لدي أب أو زوج يعولني.

أفكر في الاستقالة والبحث عن مصدر رزق آخر، وأدعو الله دائما أن يعوضني خيرا عن هذا الوضع، عسى أن يكون خيرا لي، فما العمل في مثل هذه الحالة؟ وهل فعلا الدعاء يمكن أن يغير الأقدار؟ وهل سينال الظالم عقابه في الدنيا قبل الآخرة؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية لا بد أن تدركي أن الحياة مليئة بالابتلاءات والشدائد، وتحتاج منا الصبر والاجتهاد في تزكية النفس؛ حتى لا تؤثر فينا هذه الشدائد بشكل سلبي، قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين} وكل هذه الابتلاءات يؤجر عليها العبد، وترفع درجته عند الله تعالى، وتكفر سيئاته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"، وحتى يكون الصبر جميلا وتتحمله النفس وتتعلم منه، لا بد أن يصاحبه الرضا التام بأقدار الله تعالى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط".

فلا بد من الصبر والرضا، والنظر إلى الجانب الآخر من هذه الأحداث، وهو الجانب الإيجابي المشرق، فأنت الآن رغم كل هذه الشدائد النفسية تتعلمين ضبط النفس، والتعامل مع الشخصيات الصعبة، وتكتسبين الكثير من المهارات التي تزيد من خبرتك وقدراتك وتحملك، وكل هذا له دور كبير في بناء شخصيتك الإيجابية.

أما بخصوص سؤالك: هل الدعاء يغير الأقدار؟
نعم، الدعاء يغير القدر، وهذا ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" [رواه الترمذي وصححه الألباني] ومعناه: أن الله قد كتب في علمه الأزلي وقوع الظلم عليك، ومع هذا الظلم يكون دعاء المظلوم سببا في رفعه، ورد كيد الظالم، فكوني واثقة ومطمئنة بوعد الله تعالى أن ينصرك على من ظلمك، ويستجيب لدعائك، ففي الحديث: "ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

أما بخصوص سؤالك: هل ينال الظالم العقوبة في الدنيا؟
الله تعالى قد يمهل الظالم عله أن يتوب أو يرجع، لكنه لا يهمله، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"، لذلك فإن الظلم من العقوبات العاجلة في الدنيا، فإن لم يتب الظالم ويرجع الحقوق ويستبرئ من العباد، فإن الله يعجل له العقوبة في الدنيا، جاء في الحديث الصحيح: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: "وكذٰلك أخذ ربك إذا أخذ القرىٰ وهي ظالمة ۚ إن أخذه أليم شديد".

أختنا الفاضلة: ينبغي أن يكون لديك وعي تام بكل ما سبق حتى يطمئن قلبك، أما في علاقتك ببيئة العمل فننصحك لمواجهة واقعك الصعب بالتالي:

أولا: لا تستجيبي إلى استفزازات الآخرين، فهذا ما يتمناه الطرف الآخر، أن يراك منفعلة وغاضبة وعاجزة عن الإنتاج والعطاء، فلا بد أن تفوتي عليه الفرصة في ذلك، وتظهري قدرتك على تحمل المسؤولية، وإتقان ما يوكل إليك بكل صدق وأمانة وإتقان.

ثانيا: تعاملي بذكاء في هذا الواقع، فدوني ما تتعرضين له من انتهاكات، اجمعي الأدلة من: رسائل، مواقف، شهود إن وجدوا، فربما تحتاجينها لاحقا إن تقدمت بشكوى رسمية، أو حتى لحماية نفسك قانونيا.

ثالثا: ابدئي بخطوات واقعية ومتأنية في البحث عن عمل آخر، ولا تنتظري الفراغ الكامل للبدء، بل قدمي سيرتك الذاتية، وتواصلي مع المصحات والمراكز الأخرى، ولو بشكل تدريجي.

رابعا: استغلي وجودك في هذا المكان، في بناء علاقات قوية مع أطراف كثيرة، واكتسبي مهارات تساعدك على التميز والإبداع، حتى تزيد فرصك في أماكن أخرى.

خامسا: حاولي قدر الإمكان الخروج من دائرة التوتر والقلق؛ عبر ممارسة أنشطة وفعاليات تساعدك على تقليل التوتر، فالعيش باستمرار في واقع الأزمات يتسبب في العجز عن التفكير الصحيح؛ وينتج عنه القرارات الخاطئة، لذلك من المهم أن يكون لديك أنشطة تساعدك على تقليل التوتر، مثل: ممارسة الرياضة، حفظ القرآن الكريم، أعمال تطوعية خيرية، وأنشطة ثقافية نسائية.

أخيرا: الدعاء والتضرع لله تعالى، ومداومة الذكر والاستغفار، والحرص على الطاعات والأخذ بالأسباب، كل هذا مما يساعد في التوفيق في الحياة، ويعين على الشدائد والصعاب، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

وفقك الله ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات