ابني يعاني من تنمر أقاربه عليه، فكيف أنمي شخصيته؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أطرح عليكم مشكلتي مع ابني، الذي يبلغ من العمر 11 عاما، لكنه يبدو في مظهره كأنه في سن الخامسة عشرة، نظرا لطول قامته وبنيته الجسمانية، هو طفل طيب، حنون، خلوق، كريم، متفوق دراسيا، واجتماعي في تعامله مع الناس، لكنه يواجه مشكلة مع أبناء عمومته؛ حيث لا يتقبلونه وينعتونه بأوصاف جارحة مثل "الغبي"، ويمارسون عليه أساليب من التنمر والسخرية.

ابني يتصرف بعفوية وتلقائية، وأحيانا يقوم بتصرفات قد تبدو صبيانية بالنسبة لهم؛ فعلى سبيل المثال، في إحدى المرات جلس في عربة أطفال ونام فيها قائلا لهم: "أشتاق إلى أن أكون صغيرا"، فقاموا بتصويره وبدؤوا بالتنمر عليه والسخرية منه.

هو يحدثني ويقول: "أشعر أنهم لا يحبونني مثل أولاد خالاتي، فهم ينتقدونني ويتجنبون اللعب معي رغم أنني مسالم، وأشعر أنني غريب عنهم، ولا أرغب في لقائهم مرة أخرى".

جدير بالذكر أن أعمام ابني يقيمون في الخارج، ولا نلتقي بهم إلا مرة واحدة في السنة، ونحن كوالدين -بفضل الله- مستوانا التعليمي أعلى، ووضعنا المادي أفضل، ومع ذلك نحرص دائما على التواضع والتعامل معهم بكل احترام ومودة، وزوجي رجل كريم لا يتأخر في مساعدتهم والوقوف بجانبهم كلما احتاجوا.

مشكلتي تكمن في عدة جوانب:
1. كيف أساعد ابني ليكون صاحب شخصية قوية وواثقا من نفسه؟
2. كيف أوضح له أنه لم يعد طفلا صغيرا، وأن عليه أن يتصرف بنضج أكثر؟
3. كيف أنصحه في التعامل مع التنمر الذي يتعرض له من أقاربه، بطريقة صحيحة دون أن يتأثر نفسيا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك أختنا الفاضلة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية، نسأل الله أن يأجرك على حرصك على حسن التعامل مع هذه المواقف المهمة، والمرتبطة ببناء شخصية ابنك، وهذا ينبغي أن يكون من أولويات الوالدين في التربية، فقد قال رسول الله ﷺ: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (رواه البخاري ومسلم).

أما بخصوص بناء الشخصية وحالة التنمر التي يتعرض لها ابنك، فلا شك أن لها أثرا سلبيا على شخصيته، خصوصا عندما يكون التنمر من داخل الأسرة التي يفترض أن تكون أكثر تفهما ووعيا، ولمواجهة هذا التنمر، وبناء شخصية قوية لابنك، يحتاج منك لدور فاعل في ذلك، من خلال التالي:

أولا: فهم ووعي ما يمر به ابنك، فطفل في عمر إحدى عشرة سنة، لا يتوقع منه سلوك أكبر من عمره، لمجرد أن طوله أو حجمه يوحي بأنه أكبر، فالعقل والسلوك يرتبطان بالعمر لا بالشكل، وسلوك ابنك طبيعي لعمره، لكنك تطلبين منه أن يتكيف مع "مظهره" لا "مرحلة نموه"، وهذا ضغط سلبي عليه، المطلوب خلق توازن يراعي طفولته دون تقييده، أو دفعه للتصرف بما لا يناسب نضجه العقلي، وهنا ينصح بتبني أسلوب العلاج المعرفي السلوكي، لفهم المتغيرات النفسية ومواجهتها بوعي وهدوء وتدرج.

ثانيا: تعزيز تقدير الذات، فمن المهم أن يعرف ابنك قيمة نفسه، ليتجاوز عبارات الانتقاص، ويكون قادرا على الرد عليها بثقة، استخدمي عبارات بسيطة لتحقيق ذلك، مثل: "إذا صنعت شيئا وضحك أو سخر منك الآخرون، فلا يعني ذلك أنك غبي، بل لعلهم لا يفهمون قصدك".

ثالثا: التدريب على الرد الوقائي؛ يجب أن يتعلم كيف يرد على الكلمات السلبية بطريقة لبقة ومليئة بالثقة، مثل: "أنا لست غبيا، لكن يبدو أنك لم تفهمني". الرد الذكي يعزز الثقة، ويربي الشخصية القوية.

رابعا: تنمية المسؤولية والقيادة، امنحيه مهاما قيادية في المنزل، وشاركيه في اتخاذ قرارات بسيطة، وامدحي إنجازاته، وراقبيه لحمايته، لا لتقييد حريته، فكل هذا يساهم بقوة في بناء شخصيته.

خامسا: بناء بيئة ممتعة وناضجة، قدمي له أنشطة ذكية تنمي مهاراته، مثل ألعاب التفكير، وبناء القدرات المناسبة لسنه، أو تكليفه بمهام تشجعه على التفكير والنقاش والحوار.

أخيرا أختنا الفاضلة، لا ينبغي أن يضغط عليك واقع الأقارب، وما فيه من أخطاء، لتشكلي ابنك كما يريدون، هو لا يزال في مرحلة انتقالية نحو المراهقة، ودفعه إلى "النضج القسري" قد يربك شخصيته، ويفقده توازنه النفسي، ابنك يحتاج إلى بناء تدريجي لشخصيته، لا قفزات تقصي طفولته، ويمكنك تعزيز ذلك بأساليب تربوية إيجابية -كما وضحنا- بالإضافة إلى بناء عادات إيجابية كالقراءة، وحفظ القرآن، والمشاركة المجتمعية، وغيرها من الأنشطة التي تكسبه الاتزان العقلي والنفسي.

لا تنسي أهمية الاحتواء الأسري، وإظهار مشاعر الحب والتقدير من الأسرة ومن يحيط به، فهذا له عميق الأثر في بناء شخصيته السوية، ولا تغفلي عن الدعاء والتضرع إلى الله، أن يصلحه، ويعينك على حسن تربيته، ويجعله قرة عين لك، فقد قال رسول الله ﷺ: "ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر" (رواه البيهقي وحسنه الألباني).

وفقك الله وأعانك على الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات