ضحيت من أجله ومع ذلك طلقني ورفض أن نحل المشاكل!

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا كنت متزوجة، وقبل الزواج كنت مع زوجي صريحة جدا في كل شيء، حرفيا في كل شيء.

المهم بعد الزواج اكتشفت أن أمه ستعيش معنا، كانت قد جاءت معنا إلى البيت، وكنت في كل مرة أسأله: "متى ستذهب؟ ألم تقل إنها ستعيش مع أبيك؟"، وكان يكذب ويقول: "نعم، أنا الآن أقدم لها على الفيزا" وبعد مرور فترة، اكتشفت أن علاقة أمه وأبيه سطحية جدا، أي من المستحيل أن تعيش أمه مع أبيه، وكان هو الابن الوحيد.

حاولت أن أتقبل الموضوع، ووجدت له أعذارا، وحاولت أن أتأقلم، وفعلا تأقلمت نوعا ما، ويشهد الله علي أنني كنت أتعامل معها بالحسنى، وإذا شعرت أنني أخطأت -ولو كان خطأ بسيطا- كنت أعتذر منها فورا، وأطيب خاطرها.

الحياة كانت تمضي، لكن كنا نتناقش كثيرا، وكنا نرفع صوتنا على بعض، وهو ضربني أكثر من مرة، كما أن أمه -للأسف- كانت تهمش مكانتي في البيت؛ فكل ما يريده كانت تفعله له حرفيا، وكأنني غير موجودة.

مضت الأيام، والمناقشات كانت تحدث بيننا، مثل أي زوج وزوجة، لكن لم يكن لدينا وقت خاص بنا، كنا نادرا ما نخرج، ونادرا ما نجلس ونتكلم، خصوصا أنه من النوع الكتوم الذي لا يشاركني أي شيء.

إلى أن جاء يوم وقرر أن يطلقني، ورفض أن يجدد لي الإقامة، علما أنني كنت أعيش في تلك الدولة قبل الزواج، وتخليت عن دراستي ومنحتي فقط من أجله، وفعلا أرسلني إلى بلادي، وكأنني لم أكن موجودة، قرر أن يطلقني بدعوى أنني لا أحترمه، وأنني أرفع صوتي عليه، حاولت أن أتكلم معه، وكذلك أخي حاول أن يتكلم معه، على الأقل لنجلس ونتحدث، ونحاول أن نحل المشكلة، أو أن يوضح لي أين أخطأت، وأوضح له أين أخطأ، لكن -للأسف- رفض رفضا قاطعا.

حتى عندما طلب أخي منه أن نجلس ونتكلم، قال له: "أنا قررت قراري ولن أرجع عنه" وكان في كل مرة يحملني مسؤولية ما حدث، ويقول: إنني السبب في خراب البيت، ويتهمني بأشياء لم أفعلها.

أنا الآن مدمرة ومنهارة، وما زلت غير مصدقة أن الشخص الذي أحببته وضحيت من أجله فعل بي هذا، كنت حتى آخر لحظة أحسن الظن به، وأقول: "فترة وتعدي"، لكن -للأسف- ما عدت.

أريد أن أعرف: هل ظلمني، أم أنني ظلمت نفسي؟ وكيف أخرج من الحالة التي أنا فيها؟ صار كل شيء أسود في عيني، وأشعر أن الأبواب أغلقت في وجهي، وأشعر بالفشل، وأنني إنسانة سيئة، وأشعر أن كل شيء ضاع مني.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خديجة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في اسلام ويب وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:

حث ديننا الحنيف على حسن اختيار الزوج، وحدد المعيار الذي يقوم عليه الاختيار، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام:(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.

لا يمكن التعرف على صفات الزوج أو الزوجة ما لم تكن الأسرة معروفة يستطيع من خلال ذلك التعرف على الأسرة وصفاتها، وصفات الشريك، فيحصل السؤال عن طريق الجيران والأصدقاء والمخالطين، وفي الغالب إذا كانت إحدى الأسرتين ليست من نفس البلد، فإنه يصعب التعرف، وقد يكون التعريف سطحيا، ومن هنا يحصل الاغترار بالصفات السطحية، فإذا بدأت عجلة الحياة بالدوران اكتشف أحد الطرفين نقيض ما كان سمعه من صفات شريكه.

من المهم جدا أن يتعرف كل طرف على ما يحبه الآخر، وما يكرهه، فيفعل ما يحب، ويجتنب ما يكرهه، ولن يوجد لا في الرجال ولا في النساء اكتمال الصفات، بل النقص يعتري الجميع، وليجتهد كل طرف في إصلاح ما يراه في شريكه من الخلل برفق ولين، فإن كل طرف عاش في بيئة مختلفة عن بيئة الآخر، ويصعب الخروج السريع من العادات التي اعتاد عليها، ولكن يمكن أن يتعدل الإنسان، كما قال النبي صلى الله عيه وسلم: (الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم)، فمع محاولة التعديل والإصلاح برفق ولين، يمكن أن يصلح كل طرف بعض صفات شريكه.

ومع هذا فستبقى بعض الصفات التي لا يرتضيها، وفي هذه الحال لا بد من الرضا بقضاء الله وقدره، وبالقدر الحاصل من الصفات الحسنة، والتغاضي عن الصفات التي تزعجه في شريكه، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة: (إنها خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) فالرجل كذلك فيه بعض العوج، وإن كان العوج في النساء أكثر مما هو في الرجال.

بعض الأزواج يتعامل مع زوجته وكأنها ليس لها أي حقوق، بل يرى أنها يجب أن تلبي له كل طلباته، ولا يحترم مشاعرها، ولا يسمع لكلامها ولا يحاورها ويتجاهلها، يتناسى هؤلاء أو يجهلون قول الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ۚ وللرجال عليهن درجة ۗ والله عزيز حكيم).

إن المرأة صاحبة مشاعر جياشة، تحركها العواطف أكثر من العقل، ولذلك ينبغي على الزوج أن يعي ذلك، فيراعي مشاعر زوجته، ويتعامل معها بلطف، وهذا لا يعني أن ينحني لها في كل ما تطلبه، ولقد أمرنا الله أن نعاشر النساء بالمعروف فقال: (وعاشروهن بالمعروف)، وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، فقال: (رفقا بالقوارير)، وقال: (واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا).

وفي حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر) أو قال: (غيره)، وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بمداراة الزوجة حتى تستمر الحياة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فدارها تعش بها)، ومعنى المداراة: المجاملة والملاينة.

مداراة المرأة لزوجها والقيام بشؤونه، وحسن خدمته، والتغاضي عن هفواته، يجعلها تأسر قلبه، وتكسب حبه، وهذا إن حصل من المرأة، فهو دليل على حسن سياستها وتعاملها، وإدارة شؤون البيت، والذي ينبغي على المرأة ألا تجعل نفسها ندا لزوجها.

أحسني التعامل مع والدته، ولا تجعلي هذه القضية سببا في هدم بيتك، واجعلي ذلك من باب حسن معاشرتك لزوجك وطلبا لرضاه، وأجرك على الله تعالى.

قد تشعر أم الزوج بالغيرة من زوجة ابنها، وخاصة إذا حصل تغير في التعامل من قبل الولد، وفي مثل هذه الحال لا بد أن تقوم الزوجة بنصح زوجها، بإحسان معاملة والدته، وذلك من باب حسن معاشرتها لزوجها، وحتى لا تتسبب الأم في تكدير صفو حياة ولدها وزوجته.

أنصحك وقد عشت مدة مع زوجك، وعرفت الأسباب التي تؤدي إلى حصول المشاكل معه، أن تتجنبي الأسباب التي توصلكما للخلاف؛ وبهذا ستسدين بابا عظيما من أبواب الشيطان.

من الجيد أنك تقبلت معيشة والدة زوجك معك في البيت، ولو تعاملت الزوجة مع أم زوجها كما تعامل أمها، لأحبتها الأم كما تحب بناتها، ولصارت توصي ولدها بالإحسان لزوجته، ولوقفت في صفها في حال حدوث أي مشكلة، والذي أوصيك به -إن قدر الله لك الرجوع إلى زوجك- أن تتعاملي معها كأم لك، وسترين كيف ستتعامل معك.

عدم اعتراف أحد الطرفين بأنه مشارك بالغلط يكبر المشكلة، واعترافهما أو أحدهما يردم الفجوة، ويقرب الحل، حتى إن ذلك يؤدي إلى أن الطرف الآخر يبادر بالاعتراف بأنه جزء من المشكلة، وبهذا تحل المشكلة بإذن الله تعالى.

لا شك أن زوجك عنده صفات حسنة، فإن كانت أكثر من السلبية، فاغمري تلك السلبيات في بحر حسناته؛ فالعبرة بغلبة الصفات الحسنة، تكلمي مع أمه، واخدميها واستشيريها في بعض أمورك، من باب أنها صاحبة خبرة وتجربة، وبهذا ستكسبين قلبها بإذن الله تعالى.

إن بدر منك فعلا رفع صوتك على زوجك، فاعلمي أن ذلك لا يجوز أبدا؛ لأنه علامة من علامات النشوز، وأنصحك إن حصل ذلك منك أن تعترفي بخطئك، وتتعهدي بعدم العودة لذلك، وأن تقري له بأنك غلطت في بعض الأمور، وأنك ترغبين في حل المشكلة، ورسم خارطة طريق لحياة آمنة ومستقرة.

بلغيه أنك على استعداد تام لحل الإشكال مع أمه، وأنك لا تمانعين من أن تعيش معكما، وسيري وفق ما أخبرتك سابقا، وبإذن الله يجتمع الشمل، وتذكري قول الله تعالى: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).

على أخيك أن يزور زوجك زيارة إلى بيته، لا أن يتصل به هاتفيا، فالمواجهة تبعث على الاستحياء، فإن رفض الجلوس معه واتفقا على حل الإشكال، فالحل يكمن في أن تحكما حكمين موثوقين من أهلك وأهله يستمعان لكما، ويضعان الحل المناسب، وعليكما تقبل حكمهما.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحري أوقات الإجابة، أحسني الظن بالله، فالله عند ظن عبده به، كما ورد في الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله).

أيقني أن الله سيجيب دعاءك، ولن يخيب رجاءك؛ لما روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه).

الأوقات التي يرجى أن يستجاب فيها الدعاء فمنها:
ما بين العصر والمغرب يوم الجمعة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر).

والثلث الأخير من الليل (ينزل ربنا تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟).

الإلحاح على الله بالدعاء يوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، فعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرف البشر في وجهه، قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة، فأدعو فيها، فأعرف الإجابة.

أثناء انتباهك من النوم، وتقلبك في فراشك ليلا لقوله عليه الصلاة والسلام: (من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته).

بين الأذان والإقامة يقول عليه الصلاة والسلام: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد).

أثناء السجود: ففي الحديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم).

أدبار الصلوات ففي حديث أبي أمامة، قال: قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: (جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات).

اعملي بأسباب استجابة الدعاء والتي منها:

الإلحاح في الدعاء، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا.

عدم الاستعجال في الإجابة ففي الحديث: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) وطيب المطعم والمشرب والملبس، ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك).

الإكثار من ذكر الله، فإنه من أسباب استجابة الدعاء، ففي الحديث: (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط).

اطلبي الدعاء من والديك، فدعوة الوالدين مستجابة، وكذا من الصالحين من أهل العلم والفضل، قال إخوة يوسف عليه السلام: (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين)، وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام:(يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فلما وجده عمر رضي الله عنه قال له: استغفر لي، فاستغفر له.

ادعي الله تعالى وأنت صائمة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد)، وفي حديث آخر: (ثلاثة لا يرد دعاؤهم: وذكر منهم: والصائم حتى يفطر).

ورد من حديث عائشة رضوان الله عليها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال العبد: يا رب، يا رب، يا رب، قال الله: لبيك عبدي سل تعط)، وعن عطاء، قال: ما من عبد يقول: يا رب، يا رب، يا رب، ثلاث مرات، إلا نظر الله إليه، فذكرت ذلك للحسن فقال: أما تقرؤون القرآن: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) إلى قوله: (فاستجاب لهم ربهم)، وقال يزيد الرقاشي عن أنس: ما من عبد يقول : يا رب يا رب يا رب، إلا قال له ربه: (لبيك لبيك).

إن لم تنفع الحلول السابقة، وقرر زوجك الطلاق؛ فتقبلي ذلك بقلب مطمئن، فذلك قدرك، وأقدار الله كلها خير، ولن يضيعك الله أبدا، ولعل الله أراد لك الخير بالانفصال عنه.

نسأل الله تعالى أن يصلح ما بينك ويين زوجك، وأن يوسع صدرك، ويفرج همك، ويكتب لك الخير حيث كان.

مواد ذات صلة

الاستشارات