السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا بحالة يرثى لها؛ فقد تحولت من إنسانة كان كل وقتها دراسة، إلى إنسانة يصعب عليها أن تصف شعورها بشكل صحيح.
أنا -بفضل الله- تبت بعد أن كنت أقطع صلاتي، وبعيدة عن الله، ولجأت إلى الله بكل صدق.
أقسم بالله أنني أتمنى رؤية الله، وأبكي شوقا لرؤيته، كما أنني عانيت من وساوس كثيرة، وقد تخلصت منها -بفضل الله-، ولكن وسواس السب في نفسي مسيطر علي، لدرجة أنني أحيانا أذكر حالي بالوسواس والسب، وأحيانا أشعر بعدم اللامبالاة بعد فترة قليلة.
أشعر بألم، وتأنيب ضمير، وأحس بأني كفرت، وأن عباداتي غير مقبولة، وأريد التوبة، ولكن العزم والإقلاع صعب علي فعلا، ولا أثق بنفسي.
فهل تعمد السب في النفس رغم محبتي لله يجعلني كافرة، أم أن إثمها كبير فقط؟
أريد الأمان من الله لحين وقت علاجي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبيدات حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
الوسواس لا يكاد يترك أحدا من الناس، ولكن هناك أشخاص أقوياء لا يصغون للوساوس، ولا يتحاورون معها، ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم كلما أتت، ولذلك فإن الشيطان يئس منهم وخنس.
ومن الناس من يضعف أمام الشيطان ووساوسه؛ فكلما أتت له أصغى لها، وتحاور معها، وهؤلاء الأشخاص هم الضعفاء الذين يفترسهم الشيطان، كونهم أصغوا له، وتحاوروا معه، وهذه هي العلامة التي تفرح الشيطان الرجيم.
مشكلة الموسوسين تكمن في أنهم لم يتخذوا الشيطان عدوا كما أمر الله تعالى بقوله: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ۚ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) والآيات كثيرة، وقد توعد الشيطان بإغواء بني آدم، وقد ذكر الله عنه أن قال: (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)، فاستثنى الشيطان عباد الله المخلصين وهم المستقيمون على أمر الله العاملين بتوجيهات القرآن والسنة فإن الشيطان لا يستطيع أن يغويهم.
الوسواس لم يترك حتى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه-، ولكنهم كانوا يعملون بتوجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيتخلصون من تلك الوساوس، فقد (جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدم التحدث بتلك الوساوس من صريح الإيمان، ولم يذكر في كتب السير أن أحدا من الصحابة أصيب بما يشتكي منه الكثير اليوم.
من جملة التوجيهات النبوية لهذه الأمة في اتقاء الوساوس: قوله -عليه الصلاة والسلام-: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته)، وفي رواية: (فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله)، ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.
ظنك أنك قد كفرت بسبب وسواس سب الذات الإلهية ليس بصحيح، وذلك مجرد وسواس لا يؤاخذ العبد عليه ما لم ينطق به، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم"، لكن الشيطان لما ييئس من نطقك، فوسوس لك أنك كفرت، ويريد منك أن تتركي عبادة الله تعالى.
أنت لا زلت مسلمة؛ فأنت تحبين الله تعالى، وأمورك ستؤول إلى خير إن عصيت الشيطان، ولم تصغي له، ولم تحاوريه، فأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
حافظي على أذكار اليوم والليلة كاملة، في مواعيدها؛ بحيث تأتين بأذكار الصباح، بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة الظهر أو العصر؛ ففي ذلك حصن حصين من الشيطان الرجيم.
من الأسباب الواقية من الشيطان الرجيم قراءة آية الكرسي، ففي الحديث: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح)، وثبت عن أنس -رضي الله عنه قال-: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من قال يعني إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان وفي رواية: فيقول: يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي.
إذا أتتك هذه الوساوس وأنت في مكان فاستيعذي بالله من الشيطان الرجيم، وانهضي منه، وانتقلي إلى مكان آخر، واشغلي نفسك بأمر عملي مفيد؛ فإن الشيطان يريد أن ينفرد بك ليكثر من الوساوس.
لا تنعزلي عن أفراد أسرتك، بل عيشي معهم، واجتمعي بهم حتى أثناء النوم، ولا تنامي وحدك، وليكن معك أحد أخواتك إن أمكن، وكلما شعرت أنك سرحت تكلمت معك، وذكرتك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحري أوقات الإجابة، وسلي ربك أن يصرف عنك شر الشيطان الرجيم، وهمزه، ونفخه، ونفثه، وأكثري من تلاوة القرآن الكريم، وصيام بعض الأيام الفاضلة كالاثنين والخميس، والأيام البيض الثلاثة؛ ففي الصيام تضييق لمجرى الشيطان الرجيم.
أنت امرأة قوية، والشيطان كيده ضعيف كما قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، فاستيعني بالله، ولا تعجزي، وأر الله من نفسك قوة، واتخذي الشيطان عدوا، فلا تصغي له، ولا تتحاوري معه، وكوني صاحبة همة عالية، وسينصرك الله عليه.
العلاج يبدأ من الخطوة الأولى، وهي عدم الإصغاء للوساوس، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وعدم التحاور معه؛ فإن واظبت على ذلك فسوف ييأس منك الشيطان ويخنس.
نسأل الله تعالى أن يرزقك الشجاعة، والعزيمة، والهمة العالية، وأن ينصرك على الشيطان الرجيم.