السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب إليكم وأنا في بالغ الحزن؛ بسبب أختي! هي طالبة جامعية، أوقفت التحاقها بالجامعة سنة كاملة؛ بسبب بعد المدينة عن الريف، والآن أنا سأنهي دراستي بالمدرسة وسأنجح وألتحق بالجامعة -بإذن الله-، وأصبح جامعية أيضا، وكان من المفترض أن أنهي هذه السنة وأعود مع أختي إلى الجامعة، لكنها تزوجت أثناء هذه المدة، وكان زوجها قد أكمل دراسته الجامعية، ولم تكمل أختي بعد دراستها الجامعية لسيطرة ولئم زوجها.
حلم أختي أن تكمل دراستها، وقد شعرت أختي بالندم؛ بسبب تهورها بالزواج، لكنها الآن أصبحت حاملا، واقتربت عودتها إلى الجامعة -إن شاء الله-، ولا نعلم كيف ستعود وهي حامل، لكن يجب عليها العودة للجامعة وإكمال دراستها -بإذن الله-، لكن زوجها يرفض أن أسكن معها في المدينة بنفس المنزل!
وضعنا غير مستقر، فنحن أساسا من المدينة التي بها الجامعة، لكن منذ زمن ونحن بالريف؛ لأن أختي قد تزوجت من الريف، فإذا قمنا ببيع المنزل والسكن بالمدينة سوف تبقى أختي بالريف لوحدها مع زوجها اللئيم.
هل أقبل أن يفرق زوج أختي بيني وبينها؟ أختي التي لو طلبت مني روحي لأعطيتها إياها، هل هذا هو معنى الأخوة؟ كلما تذكرت طفولتنا أتمزق بشدة، يؤلمني أنها تطيع كلامه، ولا تقل لي يا شيخ إنها من الممكن أن تكون تحبه، لا، بل هي تشعر بأنها تورطت، فكم كنت أدعمها في هذا الزواج، لكن حين رأيته أثناء الخطبة واكتشفت لؤمه، قلت لها أن تتركه، ولم تقبل كلامنا، تخيل معي أن يتحكم أحد بشخص عزيز على قلبك ويبعده عنك -لا سمح الله-!
لم أعد أر للحياة معنى، أريد الهروب من نفسي ومن كل شيء، فاليوم أصبحت أقارن انتحاري بتحريم الله! أعلم أن مكانة الأخت غير مكانة الزوج، ولكن يمكن مقارنتها عندما أريد الخير لأختي بخلاف زوجها!
يا الله لو تعلم كم أحبها، وكم أتألم اليوم منها، ما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء.
لا شك أنك الآن في لحظة ألم عميق، لكن: ليست هذه نهاية الطريق، ولا مبرر لأن ينهار قلبك، ولا لأن تفكري في الانتحار، فكل ما يحدث الله يعلم به ويرى، وسيجبر، ويعوض، ولكل شيء حكمة، فاسمعي -بارك الله فيك- منا ما يلي:
أولا: في مشاعرك نحو أختك: حبك لأختك جميل وعظيم، وما تشعرين به من فراقها وألمها ليس ضعفا منك، بل رحمة صافية، وقولك: "لو طلبت روحي لأعطيتها" وصف دقيق لحجم الحب، لكن: الحكمة ضالة المؤمن، وأختك هذه مهما كان زوجها قاسيا ولئيما فهو زوجها، ويوم أن تطلق منه -لا قدر الله- ستتعب رغما عنها، ولن تهنأ بحال في بيتكم؛ لذا احرصي جيدا على عدم دفعها إلى الطلاق، بل وأعينيها على التحمل حتى يهدي الله زوجها.
ثانيا: عن زواجها وقرارها: قد تكون الأخت تورطت، لكن ما حصل أصبح واقعا، والآن هي حامل، ومتزوجة، ومتعلقة بمسؤوليات كثيرة.
تصرف زوجها بعدم قبوله لك في المنزل، رغم أنك أختها، وفي ظروف حساسة، لا نستطيع أن نصفه باللؤم، لكن ربما عنده أسبابه، فبعض الناس يخشى أن يؤثر أحد على زوجته في علاقته معها؛ لذلك قد يكون الأفضل أن لا تسكني معه؛ فقد يعود ذلك بالسلب على أختك، والمطلوب هو إصلاح الزوج بما نقدر عليه، والرضا بالعلاقة في حدها الأدنى حتى يهديه الله تعالى.
ثالثا: حول أفكار الانتحار: فكرتك عن الانتحار لا تعبر عن الحب، ولا عن قوة المشاعر، هي تعبر عن اختناقك الداخلي، وعدم رؤيتك لمخرج، وهذا من تلبيس إبليس فانتبهي، وتذكري أن الله تعالى يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فهل تدرين لماذا ربط الله بين تحريم الانتحار وبين رحمته؟ لأن من يفكر في الانتحار هو شخص غفل عن رحمة الله التي تعمل في الخفاء، عن اللطف الذي سيفاجئه بعد حين، عن الفرج الذي يكتب في الأقدار الآن، وإن لم يظهر بعد.
رابعا: ما الحل؟
إننا ننصحك بما يلي:
- ثبتي علاقتك بالله الآن، ليس لأنك قوية، بل لأنك ضعيفة وتحتاجين من يمسكك: صلي، وابكي، وارفعي يدك وقولي: "يا رب، قلبي موجوع...خذ بيدي ولا تتركني".
- احفظي كرامتك، أختك الآن اختارت -بضغط، أو ندم، أو ضعف- أن تطيع زوجها، فدعيها تعيش تجربتها، أنت لا تتخلين عنها، لكن لا تسمحي بأن يمزقك موقفها.
- استثمري ألمك في مستقبلك، وحددي أهدافا علمية وتدينية واجتماعية لك.
- ابقي حاضرة في حياة أختك برسائل، بدعاء، بلقاءات قصيرة، فقد لا تسكنين معها، لكن لا تقطعيها، ولعل الله يلين قلبه أو يغير حالها مع زوجها.
- اطلبي من شخص حكيم في العائلة (والدك، خالك، جدتك، أو شخص يحترمه الزوج) أن يتحدث معه، وأن يثنيه بالمعروف عن تلك القرارات.
وأخيرا: أحيانا، يغلق الله بابا كنا نظنه كل حياتنا، لنكتشف بعد أشهر أو سنوات أنه لو فتح لأهلكنا.
ربما ذهابك للجامعة بعيدا عن أختك سيكون بداية بناء شخصيتك، وربما سيفتح الله لك باب رزق أو زواج أو هداية أعظم مما كنت تتخيلين.
فلا تدمري حياتك لأجل أحد، ولا تعتقدي أن نهاية القصة اليوم، وأكثري من الدعاء، وثقي أن الله سيجعل لك فرجا ومخرجا.
نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.