أنفعل على والدي وأبتعد عنه بسبب انفعاله عليّ، فما الحل؟

0 3

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والدي كثير الشتائم بألفاظ لا تليق، ويتعصب، وكلما شتمني أو تعصب علي أحزن كثيرا، وطالما تعصبت عليه، ويعلو صوتي، وأندم بعدها عندما أخلد إلى النوم.

كيف أتعامل معه؟ علما بأني كلما نويت أن أعامله معاملة حسنة -وبالفعل يحدث-، إلا وكثيرا ما يتعصب علي ويشتمني، فينبت بداخلي نبتة الكره تجاهه أحيانا، وأتعصب عليه!

والله إني أريد أن أكون بارة بوالدي، ولكن كيف ذلك مع هذه الظروف، وأنا شخصية حساسة بطبعي، وأحزن من كل عصبية وصراخ تجاهي، سواء من قريب أو غريب؟

آسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى القول السديد والعمل الصالح الرشيد.

ينبغي أن تدركي -حفظك الله- أن الناس يختلفون في أخلاقهم، وعقولهم، وطباعهم، ومن ثم فإن أساليب التعامل معهم تتفاوت بحسب هذه الفروق، وتزداد حساسية الأمر وتعقيده حين يكون الطرف المقابل أحد الوالدين، لما لهما من حق عظيم ومكانة لا يجوز تجاهلها، مهما بلغت المشقة، فقد أوصى القرآن بهما خيرا حتى مع كفرهما ومجاهدتهما لك على الكفر، فقال تعالى: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۖ وصاحبهما في الدنيا معروفا ۖ واتبع سبيل من أناب إلي ۚ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون).

وما نوصيك به هنا هو الاجتهاد في تدريب النفس على تقبل هذا الواقع، ومحاولة تخفيف تأثيره عليك، أو التغيير قدر المستطاع، دون أن يتحول إلى مصدر دائم للضغط النفسي، أو سبب في تعطيل حياتك.

حرصك على بر والدك، وشعورك بالندم حين يعلو صوتك عليه، يدل على خير في قلبك وحسن نيتك، وهذا خير، فلست معتادة على الإساءة، لكن النية لا تكفي وحدها، بل ينبغي أن تترجم إلى توبة صادقة، وضبط للنفس، وحسن لإدارة المواقف، لذلك ننصحك بمجموعة من الوسائل العملية التي تعينك بإذن الله:

أولا: تجنبي الحوار أثناء الغضب، حين يكون والدك غاضبا أو منفعلا، امتنعي عن الرد أو النقاش، فذلك يزيد انفعاله، ويؤدي إلى تفاقم المشكلة، وربما إطلاق عبارات تجرحك، الصمت وقت الغضب حكمة، وهو مفتاح لكسب رضا الوالد مع الوقت.

ثانيا: استثمري لحظات الهدوء، لا بد أن تمر أوقات يكون فيها الوالد أكثر هدوءا، ولو كانت قليلة، استغلي هذه اللحظات للدخول في حوارات خفيفة وغير خلافية، واحرصي أن تكوني مستمعة أكثر من متحدثة، فالهدف ليس النقاش، بل بناء جسر تواصل، وطمأنة الوالد بأنه مسموع ومقدر، وله رأي محترم.

ثالثا: اجتهدي في فعل ما يرضيه، وتجنبي ما يؤذيه بالمعروف، ابحثي عن الأمور التي تدخل السرور على قلب والدك، وكرريها قدر استطاعتك، وفي المقابل، ابتعدي عن كل ما يثير انفعاله أو يزعجه، حتى إن لم يكن خطأ في ذاته، فهذا من البر والإحسان.

رابعا: أحسني الظن وقدري الموقف، ربما يكون والدك يواجه ضغوطا كبيرة خارج المنزل، من العمل أو الحياة، ولا يجد متنفسا إلا بين أهله، وقد يكون بسبب مرضه أو كبر سنه، لذا حاولي أن تنظري إلى غضبه باعتباره تعبا وتفريغا طبيعيا، لا ظلما ولا ازدراء لك شخصيا، وهذا سيساعدك كثيرا في حسن التعامل معه، وإذا شعر الوالد أن بيته يريحه ويحتويه، سيهدأ مع الوقت تدريجيا بإذن الله.

خامسا: انشغلي ببناء نفسك، لا تدعي الحزن يستهلك وقتك وطاقتك، بل أشغلي نفسك بما يفيدك ويبني قدراتك، شاركي في حلقات تحفيظ القران، انضمي إلى نشاط تطوعي نسائي، أو تعلمي مهارة جديدة تثريك نفسيا وروحيا، فالانشغال النافع يساعد على تبديد الحزن وذهاب القلق.

أخيرا: أختنا الفاضلة، توجهي إلى الله دائما بالدعاء الصادق، وأكثري من الاستغفار والتوبة، واعلمي أن حق الوالدين لا يسقط، مهما صدر منهما من غضب أو تقصير، وأن الله يعلم ما في قلبك من حرص على البر، وسيجزيك عليه، ولو لم يفهم منك ظاهرا، وأنت -بعون الله- قادرة على تقليل أسباب الخلاف، وتخفيف التوتر، بالرفق والحكمة والصبر الجميل.

نسأل الله أن يوفقك، ويشرح صدرك، ويجعلك من البارين الطائعين الصابرين.

مواد ذات صلة

الاستشارات