السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة مقبلة على الزواج، ولم يسبق لي التعامل مع شاب من ناحية العلاقات والمشاعر. أريد نصائح لفترة الخطبة، وكيف أتعامل مع خاطبي، وكيف أجهز نفسي للزواج؟ وما هي مسؤولياتي وواجباتي، وما هي حقوقي؟
كما أريد نصائح تساعدني على بناء بيت مسلم سوي، وعلاقة زوجية ناجحة ومستقرة، وكذلك نصائح لليلة الزفاف، لأنني أشعر بالخوف منها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mariam حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
هنيئا لك التمسك بالفطرة السليمة، والثبات في زمن الفتن، والبعد عن الاختلاط والعلاقات، وهنيئا لزوجك المستقبلي امرأة عفيفة لم تلوثها المشاعر والعلاقات العابرة.
عدم تعاملك المسبق مع الشباب هو الوضع الطبيعي الموافق للشرع، لذلك لا تخافي، ولا تشعري نفسك بالنقص، بل كوني واثقة، شامخة، فخورة بعفتك.
بداية: يجب إزالة اللبس عن فترة الخطبة؛ فالتشخيص الشرعي لها أنها وعد غير ملزم بالزواج، فالبنت المخطوبة لا زالت أجنبية بالنسبة لخاطبها، لذلك لا ينبني على فترة الخطبة أي تغيير في أمور الحلال والحرام، فالخاطب بالنسبة لك كباقي الرجال الأجانب، لا يجوز له أن يراك، أو يختلي بك، أو يكلمك إلا بعلم وحضور والدك أو من ينوب عنه.
فمما نوصيك به في هذه الفترة أن تثقي بوالدك أو من ينوب عنه، وبمستشاريه من إخوانك أو إخوانه أو غيرهم، وتوكلي لهم البحث والأمر، لأن الرجال أخبر بالرجال، كما أن النساء أخبر بالنساء.
فوكلي لأمك أو من ينوب عنها مهمة التعرف على أمه وأهله، وإبداء رأيها بهم، وثقي بها، واعلمي أنك مهما أحسست بالنضج والثقة بالنفس، فاختيار أهلك لك أفضل وأخبر وأنضج، ورؤيتهم أوسع.
وننصحك بالوضوح والصدق مع الخاطب وأهله، إخبارهم بما يلزمهم معرفته، وسؤالهم عن ما يلزمك معرفته، ولا بد في هذه الفترة وغيرها من الدعاء والإخلاص فيه، وصلاة الاستخارة بقلب حاضر، والتوسل إلى الله أن يختار لك الزوج الصالح، ويرزقكم حياة موفقة في الدارين.
أما إن كنت تقصدين بفترة الخطبة الفترة التي تكون بين كتب الكتاب (العقد الشرعي) والعرس، ففي هذه الفترة يباح لك الظهور أمامه، وتبادل الحديث وأنت متزينة وبدون حجاب، لأنك أصبحت زوجته شرعا.
وننصحك بعدم الخلوة بينكما قبل العرس – وإن كانت جائزة شرعا – علما أن هذه الفترة يزيد فيها الضغط النفسي بين العروسين، بسبب تجهيزات منزل الزوجية، وتجهيزات حفلة العرس، ودخول العروسين حياة جديدة، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية من الناس المحبين، الذين يضغطون على العروسين بغير قصد لأهداف كثيرة. وهذه الضغوطات قد يستغلها الشيطان لخلق المشاكل، ليس فقط بين العروسين بل بينك وبين أم الزوج، أو بينه وبين أهلك، فاحرصي كل الحرص على الهدوء، وتبسيط المشاكل، وسد ذرائع الشيطان.
كما ننصحك بعدم إطالة الفترة الزمنية بين كتب الكتاب والعرس، فترة بسيطة تكفي للتعارف وتجهيز بيت الزوجية، وتجهيز العروس والعرس، وهذا كاف. وكذلك ننصح بعدم إطالة الخلوة في الزيارات أو الخروج بمفردكما، لأن ذلك قد يؤدي لمشاكل أنت في غنى عنها.
أما عن طريقة التعامل مع خاطبك: فإن كنت تقصدين قبل عقد الزواج فننصحك بعدم التعامل معه نهائيا، ويكون تواصله مع والدك فقط.
أما إن كنت تقصدين بعد العقد فأحسن ما يجمل المرأة هو حياؤها، وصوتها المنخفض، حاوريه إن طلب، ولا تكثري الكلام. أثناء زيارته لبيت والدك قدمي له بعض الطعام والشراب، وتزيني عند حضوره، ورحبي به، وأثناء هذه الفترة سيذوب الجليد شيئا فشيئا، وسيسهل عليك الكلام وغيره، فلا تتعجلي أبدا، ولا تحاولي خلع الحياء بسرعة ظنا منك أن هذا سيرضيه.
والتجهيز للزواج يكون ماديا ومعنويا، فالمادي غالبا تقوم عليه النساء حول العروس، وتذكري أن أكثر النساء بركة أقلهن مؤنة، فلا تتكلفي، ولا تبخلي على نفسك، والاعتدال في كل شيء مطلوب.
وتذكري أن الأسواق لن تغلق أبوابها بعد العرس، فيمكن تأجيل أغلب الأشياء لوقت احتياجها، وليس من الضروري شراء كل ما يخطر في البال قبل العرس.
أما معنويا فيكون بالاستماع إلى نصائح الأم والجدة وأهل الخبرة، وقراءة بعض الكتب المفيدة.
أما بخصوص مسؤوليات الزوجة تجاه زوجها فقد فصل ذلك بالهدي النبوي أتم تفصيل، حيث شمل جميع ما على الزوجة من واجبات، وما لها على زوجها من حقوق، سواء كانت حقوق الزوجين مادية أو معنوية.
ونذكر هنا بعض الأحاديث النبوية التي فصلت الحقوق الشرعية بين الزوجين، مراعية الترتيب الهرمي للمسؤولية في الأسرة المسلمة، المبنية على قوامة الزوج بصفته ولي الأمر الشرعي على زوجته، ومن ذلك الهدي ما يلي:
• عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله ﷺ: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني].
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبانا عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح [رواه البخاري ومسلم].
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه... [رواه البخاري ومسلم].
• وعن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت [حديث حسن، رواه أبو داود].
• وعن جابر بن عبد الله قال: قال ﷺ في حجة الوداع: فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف [رواه مسلم].
• وما رواه أبو داود في سننه من قول النبي ﷺ: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. [صححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني].
• وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، من أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال: أمه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
• ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ -وفي بعض الروايات أنها أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهلية- قالت: يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا فهم أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معاشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟ قال ﷺ: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج والاعتراف بحقه يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعلن .
• ولمكانة الزوجة في الإسلام جعلها الله لصيقة للزوج لا تنفك عنه، قال تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق: 6]، وقال عز وجل: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: 7]، وقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19]، وقوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
وهنا ننوه إلى أن الحياة الزوجية ليست (أبيض أو أسود)، وليست (واحد زائد واحد يساوي اثنين)، والحقوق والواجبات ليست بيعا وشراء ورد الصاع بالصاع، فالحياة الزوجية تبنى على التغاضي والمودة والمسامحة والتسامح.
وأما سؤالك عن كيفية بناء البيت المسلم، فننصحك بالتالي: بما أن العلاقة بين الزوج والزوجة مبنية على الشرع الحنيف، فهي في الأصل علاقة ديمومة لا تقتصر على الحياة الدنيا بل تستمر إلى الحياة في الآخرة، لذلك فالحقوق بين الزوجين تمثل (خارطة طريق للسعادة في الدارين)، وفي الغالب سعادة البيت المسلم مرهونة بيد الزوجة، أي مرهونة بقيام الزوجة بواجباتها الشرعية تجاه زوجها.
لذلك أكثر التوجيهات النبوية موجهة للزوجة، بصفتها المسؤولة عن استقرار السكن، بل إن الشارع الحكيم بين للزوجة التي تطيع زوجها بأن ثمن ذلك هو رضاه عنها في الدنيا والآخرة، وما يترتب على رضاه -سبحانه وتعالى- من سعادة في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. أخرجه الترمذي وحسنه.
فواجبات الزوجة تجاه زوجها لها جانبين: جانب معنوي، وجانب عملي:
أما الجانب المعنوي، بأن تجعل هدفها الأول هو طلب رضا زوجها – بعد رضا الله تعالى –، لأن الله -سبحانه وتعالى- ربط رضاه عن المرأة برضى زوجها، وسعادة الزوجة هي في رضا ربها المبني على رضا زوجها.
والخلاصة: أن مهمة الزوجة في بناء البيت المسلم النموذجي تكمن في فوزها برضا زوجها، ومن رحمة الله بالمرأة أن جعل لها مؤشر ودليل محسوس يمكنها معرفة وجوده من عدمه، هذا الدليل – رضا الزوج – في حال وجوده يجعل الزوجة متصفة بصفات من بشروا بالجنة وهم أحياء.
فعندما تنام وزوجها راض عنها، فقد استحقت وعد الله بدخولها الجنة بعدما أدت بقية الشروط المحسوسة كالصلاة والصيام والعفة، ولو ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة كما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المذكور آنفا.
وأما الجانب العملي: يتعلق في معرفة الدور الشرعي المنوط بالزوجة من حيث جانب السيادة في الأسرة المسلمة، فالأسرة في الإسلام مبنية على سيادة الرجل في بيته، وليست مبنية على الشراكة التي تبنى عليها الأسرة عند غير المسلمين، فالزوج هو المسؤول الأول في البيت، لحديث: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
فالزوج هو ولي الأمر الشرعي لكل من الزوجات والأبناء، لذلك بنية طاعة الزوجة لزوجها على قوامة الزوج التي بنيت على الولاية الشرعية للزوج على زوجته، وطاعة ولي أمر الأسرة تشمل الأبناء في غير معصية الله.
ويجب أن تعلم الزوجة أن دورها استشاري بالنسبة لزوجها عند اتخاذه القرارات الأسرية، ولا يجوز لها أن تفرض على زوجها أي قرار بحجة أن الزواج شراكة، فالزوج هو من يتحمل نتيجة أو عواقب أي قرار يتخذه من جهة، ومن جهة أخرى تصنع الزوجة من زوجها رجلا متصفا بسمات الرجولة.
العلاقة الناجحة والمستقرة ليست خالية من المشاكل، فكل بيت فيه مشاكل، ولكن هناك عدة أمور تخفف أثر المشاكل على العلاقة:
أولها: عدم إخراج المشاكل من غرفة النوم، فلا يعلم أحد سوى الزوجين بالمشاكل، لا الأطفال، ولا أهل الزوج، ولا أهل الزوجة.
ثانيا: تقليل زمن الخلاف، فإن حدثت بينكما مشاجرة فاحتويها في نفس الوقت بالاعتذار للزوج، وملاطفته، والتحدث بنبرة تفاؤل ولين، ولا تدعي مجالا للشيطان للاختلاء بكل منكما، وتحريضه، وتعظيم الموضوع عنده.
بادري بالصلح، والاعتذار، وتهدئة الموقف، حتى لو لم تصلا لحل يرضيكما في ذلك الوقت، فيمكن فتح الموضوع بعد فترة للتحاور بهدوء.
أما بخصوص ليلة الزفاف فننصحك بالحياء، مع استشارة الأم أو الأخت الكبيرة أو من هن أهل للثقة والخبرة، لأن ليلة الزفاف لا تنسى بين الزوجين، وكلما شعر الزوج أن زوجته على فطرتها السليمة زادت ثقته بها، وتيقن أنها له وحده من دون الناس.
وننصحك بعدم الاستماع للصديقات أو البحث في الإنترنت وغيرها من المصادر المفتنة.
نسأل الله تعالى أن يتمم زواجك على خير، وأن يرزقك السعادة وراحة البال، إنه جواد كريم.