السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شخص مسلم، ولله الحمد، أصبت بعدة أنواع من الوسواس، وما زلت أدافع بعضها، والآن عندي أربع مسائل سأذكرها؛ لأخذ النصيحة العامة، لا للفتوى، فهي سبب الوسواس الذي أعاني منه:
1. قضاء الصلوات المتروكة: لا أقضي؛ لأني أظن أن الأدلة التي يعتمد عليها هذا القول أقوى، ولأن قضاء الصلوات لسنوات طويلة حسب الاستطاعة، فيه حرج شديد.
2. التوبة من الإساءة للأشخاص: وقد حدث ذلك قديما قبل أربع إلى تسع سنوات، حيث نسيت كثيرا من الأحداث، ومنهم أصدقاء، وبعضها كان في سياق الدفاع عن نفسي، ومنهم من اعتذرت له.
3. التوبة من انتهاك حقوق الملكية: سواء كان ذلك عمدا أو جهلا.
4. لبس البنطال الضيق للرجال: وهو مما أقلد فيه من أثق بعلمه، لكني أشعر أن قلبي يتقطع، ونفسي تؤلمني دائما، وتحدثني أني أتبع الهوى؛ لأني كنت آخذ بالأشق، ظنا مني أن اتباع الأشق واجب.
أما الآن، فقد أصبحت لا أستطيع القيام بالطاعة، حتى إني أصبحت عاقا لوالدي جدا، وتركت الدراسة، وأقوم إلى العمل بصعوبة، وتركت الصلاة في المسجد، وأصلي بسرعة شديدة، وقطعت جميع أورادي، وأهملت صحتي، وأصبحت كثير الضحك بلا معنى، وما إن أبدأ بإصلاح نفسي حتى يصيبني ضيق شديد، أشعر به في أطراف قدمي وصدري.
وقد مررت بهذه الحالة من قبل، في عقد كنت أظنه من باب الغرر، ثم تبين لي، على غلبة ظني، أن الأمر لم يكن كذلك، فما توجيهكم في هذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نشكر لك تواصلك بالموقع، وثانيا: نسأل الله تعالى أن يشفيك من هذه الوساوس، وأن يصرف شرها عنك.
ونصيحتنا لك -أيها الحبيب- أن تأخذ بالنصيحة النبوية في مدافعة الوسوسة، وألا تستسلم لها، فإنها شر مستطير، إذا تسلطت عليك أفسدت عليك حياتك، وأدخلت عليك أنواعا من الضيق والحرج والتشديد، وهي نوع من أنواع المكر الشيطاني في محاولة تنغيص الحياة على الإنسان المسلم.
فنصيحتنا لك أن تبادر وأن تجاهد نفسك وتصبر على الأخذ بالنصائح النبوية، مع الأخذ بالتداوي، وأنت طبيب وتعلم أن الجسد يحتاج إلى بعض الأدوية أحيانا لإعادته إلى حالة اعتداله، وإعادته إلى مزاجه الطبيعي، والرسول ﷺ يقول: ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، وقال: تداووا عباد الله.
فنصيحتنا لك أن تتداوى بالدواء الحسي المادي، وبالدواء الروحي المعنوي، والدواء الروحي المعنوي لخصه النبي ﷺ بالوصايا الثلاث المشهورة، وهي وصايا لكل من أصيب بالوساوس:
• أولها: الإعراض التام عن الوساوس وعدم التفاعل معها، فلا تبحث عن إجابات لأسئلتها، حقرها وقلل من شأنها، وذلك بالإعراض عنها وإهمالها، فإذا فعلت ذلك فهذا أعظم دواء للوسوسة، فإنها ستنقشع عنك كسحابة الصيف قريبا -إن شاء الله تعالى-.
ومما يعينك على هذا أن تدرك بأن الاشتغال بالوساوس، والإجابة عن أسئلتها، شيء لا يحبه الله ولا يرضاه، وليس هو من الدين الذي يقربك إلى الله، بل هو اتباع لخطوات الشيطان، والله تعالى نهانا عن اتباع خطوات الشيطان، فقال سبحانه في سورة النور: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
وتعلم أيضا أن الوسوسة مرض، وأن الله تعالى رخص للموسوس في أشياء، وتجاوز عنه تخفيفا عنه لمرضه، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
فالمريض لا ينبغي له أن يشدد على نفسه ويأخذ بأقوال -وإن كانت صحيحة-، لكن فيها عسرا ومشقة، أو فيها زيادة لمرضه، أو طول مدته، أو نحو ذلك، بل ينبغي له أن يكون مؤمنا حازما عاقلا، حريصا على منفعة نفسه وإصلاح دينه، وهذا يتحقق بالأخذ برخصة الله تعالى، حتى يمن عليه بالعافية والشفاء.
فبادر إلى الأخذ برخصة الله تعالى التي خفف فيها عن الموسوس، وقد رخص الله تعالى في شريعته للموسوس في أحكام عدة، لهذا ينبغي أن تدرك هذه الحقيقة، وتتجاهل هذه الأسئلة الكثيرة التي توردها عليك الوساوس، وتعلم أن الله تعالى لا يحب منك الاشتغال بها.
ولكن للفائدة نقول لك -أيها الحبيب-: إن قضاء الصلوات المتروكة -كما علمت أنت- فيه خلاف طويل، وإن القول الذي قال بأنه لا يجب على الإنسان أن يقضي الصلوات المتروكة، قول قوي من حيث الأدلة -كما قلت- فيجوز لك أن تعمل بهذا القول.
وأما التوبة من الأشخاص الذين أسأت إليهم قبل سن البلوغ، فهؤلاء أصلا لا يجب عليك أن تفعل شيئا تجاههم، فإن هذا واقع منك قبل التكليف، بالإضافة إلى أنك أصلا قد طلبت السماح من كثير منهم.
أما حقوق الملكية، فهذه فيها تفاصيل كثيرة، والناس قد ابتلوا بها، فلا نعلم ما هي هذه الحقوق على وجه التحديد، لكننا ندرك تمام الإدراك أن هذا السؤال الذي أوردته في كلامك، هو جزء من آثار هذه الوسوسة؛ لذلك نرجو أنه ليس عليك شيء لو أعرضت عنه.
أما لبس البنطال الضيق للرجال، فقد تفضلت أنت بأنك عملت به بناء على قول شرعي صحيح، وفتوى صحيحة لبعض العلماء الذين تثق فيهم، وغاية ما فيه أنه مكروه فقط.
فلا ينبغي أن تشغل به نفسك أكثر من اللازم، ولا يجب على الإنسان المسلم أن يتبع القول الأشق والقول الأشد، وهذا وهو صحيح سليم، فكيف إذا كان مبتلى بشيء من الوساوس كما هو في حالتك أنت؟
فنصيحتنا لك أن تعرض عن هذا المنهج تمام الإعراض.
• الوصية الثانية للنبي ﷺ: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى.
• والوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله عموما.
فإذا عملت بهذا المنهج الجامع بين الدواء الحسي المادي، والدواء الروحي المعنوي، وصبرت على ذلك؛ فإن الله تعالى سيقدر لك النجاة والخلاص من هذه الوساوس.
نسأل الله تعالى أن يصرفها عنك، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.