السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت متزوجة، وكانت حياتنا في البداية جيدة، لكن بعد ذلك ظهرت مشاكل، ورغم ذلك كنا نعود لنحب بعضنا البعض، مع العلم أن طليقي كان يعاني من مرض مزمن، وكنت أراعيه بشكل طبيعي.
لكن مؤخرا ظهرت مشكلة كبيرة، تدخل الأهل ورجعنا لبعضنا، ولكنني لم أستطع تجاوز الأمر.
هو إنسان طيب، لكنه يعتمد علي في كل شيء، يعتقد أنه بشراء حاجيات البيت فإنه يتحمل المسؤولية، بينما أرى أن المسؤولية يجب أن تكون مشتركة في تربية الأولاد، وأن تكون كسوة الأولاد عليه، وأنه يجب أن يعمل، لكنه لا يعمل بحجة مرضه، وعدم قدرته على العمل، وأنا أرى هذا تفريطا منه.
شعرت أنني أنفر منه، ولم يعد يهمني أمره، وهو يقول إنه يحبني، لكنني تعبت نفسيا وقررت الانفصال عنه، فهل تصرفي خاطئ؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هاجر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله سبحانه وتعالى:
أولا: الحياة الزوجية لا بد أن يكون فيها مكدرات، بل الحياة كلها فيها كدر، كما قال الشاعر:
طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** مطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار
ثانيا: حياة سيد البشر نبينا ﷺ لم تخل من الكدر، فقد حصلت خلافات ونقاشات في بيته ﷺ، حتى إنه آلى من نسائه شهرا وتركهن وعاش في مسجده ﷺ.
ثالثا: المشاكل في بداية الحياة أمر طبيعي، والسبب في ذلك أن البيئة التي تربى فيها كل من الزوجين مختلفة، ولذلك يحاول كل طرف أن يجر الآخر ليتوافق مع بيئته، ظنا منه أنه بذلك يجعل الحياة سعيدة، وأن تلك الصفات والطباع هي الحسنة في نظره، ويتمنع الطرف الثاني.
بل يحاول أن يطبع شريكه بطباعه التي اعتاد عليها، وهذا في الحقيقة سوء فهم منهما، والحل في هذا أن كل طرف يخبر الآخر بما يحب وبما يكره، وأن يتعاونا في أن يتنازل كل طرف عن بعض الصفات، ويطبع نفسه بطباع الآخر، ما لم يكن ذلك مخالفا للشرع، وبهذا تتقلص الفوارق بينهما إلى أقل ما يمكن.
رابعا: بعد ذلك يسعى كل طرف لإصلاح شريكه بالحسنى، والرفق، واللين، والترغيب، والترهيب، وكما قال ﷺ: ‹ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه›.
ولا شك أنه سيتم إصلاح الكثير من السلوكيات، وما تعسر إصلاحه فيجب على كل طرف أن يقبل صاحبه على ما هو عليه، وأن يغض الطرف عن تلك الصفات التي هي في نظره سيئة، وفي نظر شريكه حسنة، بغض النظر عن كثرتها عند الرجل أو عند المرأة.
قد تنهدم بعض الأسر لأتفه الأسباب، والمشكلة حين يوجد أطفال، فإن النتيجة المؤلمة من تشريد واكتئاب نفسي وفراق ستكون عليهم، وحينها قد يتمنى كل طرف ألا يحصل الفراق، ويندم أشد الندم، ولا ساعة مندم.
خامسا: التعجل في قبول من تقدم للخطبة دون السؤال عن صفاته ودينه وأخلاقه، نتيجته المحتومة المشاكل، وربما الطلاق.
ولا شك أن اتكال بعض الأزواج على زوجاتهم في العمل وتصريف أمور البيت سلبية عظيمة، وعلاج هذه السلبية تكون بالاتفاق على التعاون فيما بينكم، فهو يقوم بجزء، وهي تقوم بالجزء الآخر، وإن كان الأصل أن النفقة تكون على الزوج.
سادسا: في حال التنازع في قضية النفقة، وبقاء زوجك متكلا عليك، فأنصح بالتحاكم إلى من تثقون به ممن يريد إصلاح ذات البين، وخاصة من أهله، ليلزموه بالخروج للبحث عن عمل مع أخذ ضامن يضمنه بذلك، ويتحمل مسؤولية تقصيره، وأنت تتحملينه فترة إضافية محددة؛ حفاظا على أسرتك.
سابعا: رجوعك إلى زوجك قرار صائب، ووجود شيء من النفور في نفسك منه سببه المشاكل، وأكثره من وساوس الشيطان الرجيم، لأن من أكبر أمانيه تفريق الزوج عن زوجه، كما صح في الحديث الذي رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا: ‹إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت›.
ثامنا: قرارك في الانفصال غير صائب في هذه المرحلة؛ لأنه يمكن أن يتم معالجة هذه الصفة السلبية التي في زوجك، فيمكن أخذه للطبيب المختص؛ كي يصف له العلاج لما يعانيه، وبهذا يزول عذره وتعلله، ويبدأ بالبحث عن عمل، والتعجل في اتخاذ قرار الانفصال قد يجعلك تندمين أشد الندم، وحينها تتمنين أنك لم تقرري ذلك القرار.
فكري مليا في حال أبنائك، ويبدو لي أن زوجك عنده صفات حسنة، فعليك أن تمدحي ما عنده من الصفات، ففي ذلك تحفيز وتعزيز له قد تجعل نفسه تنشط نحو التغيير.
تاسعا: أوصيك في حال تغير نفسك ونفورها، وبروز كرهك لزوجك وميولك للمفارقة؛ أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتذكري الصفات الحسنة في زوجك، فستجدين الشيطان ينفر منك -بإذن الله تعالى-.
عاشرا: الصبر عاقبته حسنة، وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن الإنسان قد يحب شيئا وفيه شر له، وقد يكره شيئا وفيه خير له، فقال سبحانه: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.
الحادي عشر: قد يكمن علاج زوجك في منعه مما يحب، فإن أراد منك ما يحب شرطت إعطاءه ذلك بخروجه للعمل والمشاركة في النفقة، وهذا إن رأيت أن ذلك لا يفاقم المشاكل بينكما.
الثاني عشر: أقترح أن يدخل بينكما أحد المتخصصين في العلم الشرعي، وذلك ليبين لك ولزوجك ما لكل طرف منكما من حقوق، وما يجب عليه من واجبات، فالذي يظهر أن زوجك يجهل هذا.
الثالث عشر: تحججه أنه مريض لا يبرر له الاتكال، بل يمكن أن يتعالج، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.
الرابع عشر: لا شك أن زوجك له أصدقاء صالحون، فأنصح بتدخلهم في وعظه ونصحه، والأخذ بيده، ومساعدته في الحصول على عمل، وذلك عبر التواصل مع نسائهم، وبطريقة ذكية لا تجعله يشعر أنك من طلب ذلك.
الخامس عشر: تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحري أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يلهمه الرشد، وأن يبدل حاله إلى أحسن حال، وأن يلم شعث أسرتك على خير، إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله تعالى لك التوفيق في حياتك، وأن يجمعك مع أبنائك على خير، إنه على كل شيء قدير.