أحببت فتاة ووعدتني بألا نفترق ثم خطبت لغيري، فكيف أنساها؟

0 3

السؤال

لقد أحببت فتاة، وكانت هي أيضا تحبني، كانت الأمور تسير بيننا على ما يرام، وقد وعدنا بعضنا بألا نفترق أبدا، كنا ننوي الزواج بالحلال، وكنت أصلي وأدعو الله أن يجمعني بها على خير.

وفي أحد الأيام، ذهبت إلى العمل، وعندما عدت، كانت قد استلمت مني رسالة لكنها لم ترد، وفي اليوم التالي، تواصلت معها، فردت علي أختها، وأخبرتني أن أختها قد خطبت اليوم لابن عمها، وأنها أعطت رقمها لأختها وغيرت رقمها.

والغريب في الأمر أننا كنا نتحدث قبل يوم واحد فقط، وكانت الأمور بيننا على ما يرام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الظاهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبداية أشكر لك ثقتك ومشاركتك لمشاعرك الصادقة، وأدعو الله تعالى أن يربط على قلبك، ويخرجك من هذا الموقف وأنت أقوى وأصفى روحا.

أتفهم تماما شعور الخذلان والحيرة الذي تعيشه الآن، خاصة حين تأتي المفاجآت من أقرب القلوب إلينا، فما بين الأمس واليوم، تتبدل بعض الأمور بطرق لا نستطيع توقعها، ويصعب علينا تقبلها بسهولة، لكن لنثق أن ما يختاره الله تعالى لنا؛ خير مما نختاره نحن لأنفسنا، وأن كل قضاء مقدر مكتوب، قال صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك" [رواه الترمذي]، فلا شيء يفوتك، وهو لك، ولا شيء يصيبك إلا بإذن الله تعالى.

وقبل التفكير بما ينبغي عليك فعله الآن؟ فإنه من المهم بداية التنبيه على مسألة خطيرة يغفل عنها كثير من الشباب والفتيات، وهي: أن العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج الشرعي ليست مجرد أمر عابر، بل باب من أبواب الفتنة، وخصم على الحياة الزوجية المستقبلية، فهي تبدأ بإعجاب أو حديث، وقد تنتهي بتعلق القلب أو تجاوزات شرعية، مما يترك أثرا نفسيا وقلبيا يصعب تجاوزه لاحقا، حتى إذا تزوج أحد الطرفين وجد أن تلك الذكريات أو المقارنات تفسد عليه صفو حياته مع زوجه، قال الله تعالى: ﴿ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا﴾ [الإسراء: 32]، وهذا النهي الإلهي لا يشمل الفعل المحرم فقط، بل كل طريق يوصل إليه من النظر والاختلاط والمراسلات؛ لأن القلوب ضعيفة والفتنة خطافة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" (رواه الطبراني)، وعليه فحفظ المشاعر والروابط العاطفية حتى تكون في إطار الزواج، إنما هو صيانة للنفس والدين، وضمان لبركة الحياة الزوجية، وخلوها من المقارنات والآثار السلبية لعلاقات سابقة.

والآن لتفكر بما عليك فعله الآن؟

أولا: أعط مشاعرك حقها دون إنكار، واسمح لنفسك أن تحزن، لا بأس فهذه جبلة فطرية، وربما كانت أولى خطوات التعافي، لكن شريطة أن يتبعها خطوات التغيير، وليس الأسف والبكاء والحزن.

ثانيا: أنت بحاجة أن تعيد ترتيب الأحداث التي وقعت لك بعقلك وليس بقلبك فقط، نعم، كنتما على اتفاق، والمشاعر كانت متبادلة، لكن ما حدث يظهر أن الطرف الآخر انسحب دون تفسير، أو وضوح، وهذا ليس تصرفا يبنى عليه زواج أو أمان؛ فالزواج يحتاج شريكا واضحا، صادقا، ثابتا في وعوده، لا من يختفي فجأة دون مبررات.

ثالثا: توقف عن ملاحقة "لماذا؟" وابدأ بسؤال "وماذا بعد؟"، ليس كل الأسئلة لها أجوبة، وأحيانا يختار الله تعالى لنا ما لا نفهمه الآن، لكنه خير محض، تأكد أن المستقبل بين يديك، وأن الله يريد لك الخير في كل قضاء قدره؛ حتى وإن غابت أسراره عنك.

رابعا: استثمر في ذاتك وعلاقتك بالله تعالى، استمرارك في الصلاة والدعاء نعمة، فثبت ذلك، وبدلا من أن تدعو: "اللهم اجمعني بها"، قل: اللهم أرضني بما قسمت لي، واصرف عني من لا خير لي فيه، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي رضي الله عنهما: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك"، رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الألباني، وهو دعاء فيه تسليم مطلق بأن الخير فيما اختاره الله تعالى.

خامسا: لا تحاول العودة، أو البحث عن تبرير لما حدث؛ فهي قد اتخذت قرارا حاسما، ومهما كانت ظروفها، فإن احترامك لنفسك؛ يتطلب منك ألا تلهث وراء من اختار الفراق، ولعل في فقدانك لها؛ نجاة لك من أمر لا تراه الآن، قال تعالى: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا شيـٔا وهو خيرۭ لكم﴾ [البقرة: 216].

سادسا: إن اتخذت قرار الزواج، فلا تتردد في البحث عمن تليق بك شريكة لحياتك، وابدأ البحث بشكل جاد حتى تنسى تجربتك الأولى التي لا تزال تتردد على ذهنك، فإن هذه الصورة إنما ينسيها بإذن الله -بإذن الله- أن توفق لزوجة صالحة تنسى معها الماضي، إضافة على ما سبق من الوصايا كفيل بإذن الله -بإذن الله- أن يخرجك من دائرة حزنك وتأسفك على فواتها، وثق أن كل حزن؛ يعقبه فرج، وكل كسر يجبره الله تعالى بتدبيره؛ فطب نفسا بالله تعالى وقدره.

أدعو الله تعالى أن يربط على قلبك، وأن يجبر كسرك، وأن يبدلك سكينة بعد الحيرة، ورضى بعد الحزن، وأن يرزقك زوجة صالحة تكون عونا لك في دينك ودنياك.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات