السؤال
السلام عليكم
أنا شاب تعرفت على فتاة من دولة أخرى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وكنا على تواصل منذ خمس سنوات، أي منذ أن كان عمري 19 سنة.
وقع الحب في قلوبنا، وكنا نتحدث باستمرار، أخطأت بحقها وسامحتني، وأخطأت هي أحيانا بحقي وسامحتها.
الفتاة تكبرني بسنتين، ومؤخرا، في آخر سنة من علاقتنا، بدأت تأتيني أفكار أننا نعصي الله، وهي كذلك، فاتفقنا على أن نقطع التواصل نهائيا، وأن تنتظرني بضعة أشهر حتى أجهز أوراق سفري وأتقدم لها بالحلال، على كتاب الله وسنة رسوله.
وافقت في البداية، وكنا فرحين بأن الله قدر لنا أن نبتعد عن المعصية بالكلام، وكنت أجتهد بكل قوتي لأتم كل شيء في أسرع وقت.
لكنني تفاجأت بعد مرور شهر بأنها راسلتني وأخبرتني أنها تريد أن تخطب، وأن عائلتها وافقوا، لم أستطع تمالك نفسي، وبكيت، وطلبت منها الانتظار، أخبرت عائلتي مباشرة بنيتي التقدم لها، وبلغتها استعدادي لإرسال أهلي إلى دولتها لطلبها (بدون حضوري بسبب الخدمة العسكرية)، ريثما أنهي أوراقي وألتحق.
فوجئت بردها أنها لم تعد تريدني، وأن عائلتها لا يعرفونني، وفي حال سألوها عن سبب الخطبة، قد يكتشفون أننا كنا على علاقة من قبل.
شعرت أن الدنيا ضاقت علي، وهي التي كنت أأتمنها على مالي، طلبت منها أن تتقي الله، وأن تهدأ وتستخير، وتفكر مجددا، أبديت استعدادي الفوري لإرسال أهلي، وأخبرت والدتي بالوضع، ووافقت على خطبتها.
حاولت مع الفتاة عدة أيام، لكنها كانت مصرة على الرفض، رغم أنها كانت تبكي.
حاولت أن أصبر نفسي، وأقول: "لله ما أعطى، ولله ما أخذ"، وأنه لو كان لي نصيب فيها، لنلتها، وعسى أن أكره شيئا وهو خير لي.
لكنني لا أستطيع التوقف عن البكاء، وأشعر بالخوف، ولا طاقة لي كي أتعرف أو أتزوج أو أحب مجددا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أخي الكريم، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
لا شك أن تواصلكما طيلة الفترة الماضية كان مخالفا للشرع؛ لأن كل واحد منكما يعد أجنبيا عن الآخر، وخاصة أنكما تحدثتما في أمور الحب، وربما حصل تجاوز في بعض الكلام، والحمد لله أنكما عرفتما خطأكما وتوقفتما عن الحديث، والتوبة النصوح واجبة في هذه الحال، ومن شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما حصل، والعزم على ألا تعود لمثل هذه العلاقة.
رفض أهل الفتاة لك منطقي، كونهم لا يعرفونك ولا يستطيعون السؤال عنك حتى يتيقنوا من أنك الرجل المناسب لابنتهم، وكذلك البيئة التي تعيش فيها غير البيئة التي تعيش فيها تلك الفتاة، ونادرا ما يتم الزواج بالطريقة التي كنت تخطط لها، فالعادات والتقاليد في البلاد العربية تأبى ذلك، وإن تم الزواج، فنادرا ما يستمر.
أنت كذلك لا تعرف صفات تلك الفتاة، ولا تستطيع التعرف على صفاتها كونها تعيش بعيدة عنك، وما عرفته من خلال التحدث معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن الاعتماد عليه؛ لأن الفتاة في تلك الحال قد تتصنع من الصفات ما تحاول أن تغريك به، وكذلك يفعل الرجال، فيتمظهرون بمظهر يحاولون فيه جذب الفتاة إليهم، والنظرة الشرعية التي تكون مباشرة غير النظرة التي تكون عبر الشاشة، فلعل أحدكما يرفض الآخر عند النظرة المباشرة.
الزواج لا يكون بالعاطفة وحدها، بل يجب أن يكون العقل هو الحاكم في هذه المسألة، والتعجل في اتخاذ القرار مضر بصاحبه، والوقوع في الحب خارج إطار الزوجية له تبعات، وما تعانيه هو من تلك التبعات.
الزواج أمر مقدر من الله تعالى، فالله سبحانه قدر لهذا أن يتزوج، ولذاك ألا يتزوج، وقدر لكل رجل من هي الفتاة التي سيتزوج بها، ولكل فتاة من هو الرجل الذي سيكون زوجا لها، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فمن قدرها الله لك، لن يستطيع أهل الأرض أن يأخذوها منك وإن اجتمعوا، ومن لم يقدرها الله لك، فلن تتزوجها مهما بذلت من الأسباب، فكل شيء مقدر ومكتوب، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء."
فهذه الفتاة إن كانت قد تزوجت؛ فهذا يعني أنها ليست من نصيبك، فلم هذا الحزن الذي تعانيه؟ فهذا الأمر ليس مقدرا لك، ولو كانت من نصيبك لما تزوجت.
أخي الكريم: الفتيات غيرها كثير، وربما وجدت من هي خير منها، ولعل الله صرفها عنك؛ لأنها لا تصلح لك، وإن كنت قد وقعت في حبها، والإنسان قد يحب أمرا ولا يعلم أن فيه شرا له، وقد يكره شيئا ولا يعلم أن فيه الخير، فالله تعالى يقول: "وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
وكن على يقين أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، فإن اعتقدت ذلك، استراح قلبك وسكنت نفسك.
بكاؤكما وحزنكما سبب حتمي لما وقعتما فيه من المخالفة لأمر الله تعالى، فتعلق القلب له ضريبته، ولكن المؤمن يعصم قلبه بالتقوى والصبر، ويكثر من ذكر الله، فبذكره تطمئن القلوب، كما قال تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحر أوقات الإجابة، وسل ربك أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تسعدك، وأن يغفر لك زللك، ولا تجعل فوات هذه الفتاة نهاية الحياة، فأنت -بإذن الله- رجل قوي ومؤمن بقضاء الله وقدره، تناس هذه الحادثة تماما، وإن عرضها عليك الشيطان الرجيم مرة أخرى ليحزنك، فاستعذ بالله منه، يخنس.
من صفات المؤمن أنه يتقلب بين صفتي الشكر والصبر، كما قال عليه الصلاة والسلام:"عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له."
إن كنت مستعدا لموضوع الزواج، فابدأ بالبحث، وأهلك من جهتهم كذلك، ولعلك تصل إلى الفتاة التي كتبها الله لتكون زوجة لك بإذن الله تعالى، ولا تنس صلاة الاستخارة، وأن تستشير قبل التقدم لأي فتاة، ففي ذلك خير، فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تسعدك، وأن يصبرك على قضاء الله وقدره، إنه سميع مجيب.