السؤال
السلام عليكم
أنا شاب على مشارف الـ31 من العمر، مررت بظروف متعددة من نواح مختلفة، لكن -الحمد لله- امتلكت المعرفة التي ساعدتني على التعامل معها.
حاليا أنا مستقر في عملي، وراتبي يكفي حاجتي، وأسعى للأفضل بالطرق الشرعية.
لدي رغبة ملحة في الزواج، خاصة مع كثرة الفتن الظاهرة في هذا الزمان؛ لذلك قررت الاستعفاف، مستندا إلى حديث النبي ﷺ: "ثلاثة حق على الله عونهم... والناكح الذي يريد العفاف."
لكن عند التفكير في التقدم لإحدى الفتيات، أجد أنني لا أملك أي مبلغ مالي؛ لأنني أعول إخوتي، ووضعي المالي لا يسمح، كما أن أهلي ليسوا في حال مادي جيد، وتكاليف الزواج مرتفعة.
تراودني بعض الشبهات حول الحديث المذكور، لكنني أصبر نفسي بأنها وساوس، وأن الله سيكرمني.
ورغم ذلك، أجدد النية وأستغفر عند الوقوع في المحرمات، كإطلاق البصر واشتداد الشهوة، ثم تعود تلك الشبهة مرة أخرى. ألجأ إلى الدعاء، وأحيانا إلى الصوم، وأدعو الله أن لا أفتن، وأرغب في استشارتكم.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abd حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وفقك الله -أخي الكريم- لما يحب ويرضى، واعلم أن الدنيا كلها ابتلاءات وامتحانات قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت ۗ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون} [الأنبياء 35] وتذكر أن الله من عليك بحسن التعامل مع هذه الابتلاء كما ذكرت، فاشكر الله دائما على ذلك؛ لأنه لا حول لنا ولا قوة إلا به، ولولا فضله علينا لما استطعنا تخطي أي عقبة في حياتنا مهما كانت بسيطة، فرد الفضل له سبحانه وتعالى، {واصبر وما صبرك إلا بالله}.
فاحمد لله دائما وأبدا الذي وفقك في عملك، ونسأل الله أن يبارك لك فيه، ويوسع رزقك، ويجعله معينا لك على طاعته سبحانه وتعالى، وينفعك به في الدنيا والآخرة، واحرص دائما على سلوك المسالك الشرعية المباحة مهما ظهر لك صعوبتها، وسهل الشيطان في عينيك غيرها، فاحذر الوقوع في شباكه -أعاذنا الله وإياك منه-.
واعلم -أخي الكريم- أن الزواج من أبواب الرزق أيضا، فعن ابن مسعود أنه قال: (التمسوا الغنى في النكاح)، يقول الله تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وعن عمر -رضي الله عنه- قال: عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح، وقد قال الله تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله).
فالرغبة في الزواج أمر طبيعي يدل على سلامة فطرتك، ووقاية من الفتن الظاهرة من شباك شياطين الإنس والجن لإيقاع المسلم العفيف في وحل الضلال، وننصحك أولا بغض البصر، ثم نوصيك بتجنب أماكن الفتنة والاختلاط قدر المستطاع، وعدم التعامل مع النساء إلا للضرورة القصوى، ونوصيك أيضا بعدم الانعزال والجلوس لوحدك؛ لأن ذلك يسهل على الشيطان إيقاعك بالمعاصي، خاصة في زمن انتشار الفتن في وسائل التواصل الاجتماعي، قال أحد الحكماء: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
أخيرا: نوصيك بكثرة الصيام لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:(يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). متفق عليه.
وأما عن تردد القنوط والشك عليك؛ فضع نصب عينيك حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره"، قال أبو رزين: يا رسول الله، ويضحك ربنا؟ قال: " نعم "، قال: لن نعدم من رب يضحك خيرا)، كرر لقلبك قول الصحابي: لن نعدم خيرا من رب يضحك. ويقول الله تعالى في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبد بي فليظن عبدي ما شاء"، فربنا أكرم مما يمكنك تصوره، فثق أن الله أكرم لك من نفسك، وأرحم بك من نفسك وأعلم بك من حالك.
واعلم بيقين أن خيرة الله لك خير من خيرتك لنفسك، وأن العبد لو كشف له الغيب لما اختار إلا ما اختاره الله له، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له" رواه مسلم.
أخي الكريم، كما أن الرجال في مستويات مالية مختلفة، فالنساء كذلك، فعليك البحث عن أسرة في مستواك المادي ترضى بما عندك، تقنع بك وتحمد الله، ولا مانع بأن تكتب لها شيئا من المهر أو الذهب تعدها به في المستقل حين تستطيع.
كتب الله أجرك، وأعانك على بر أهلك، والإحسان إليهم، فهذا عمل عظيم، وتذكر قول الرسول النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة" فاحتسب الأجر، وأكرم أهلك، والله يفتح لك أبواب الخير بفعلك ودعائهم لك.
أحسنت في إكثارك من الاستغفار حين يحاول الشيطان جرك إلى الخطأ، قال تعالى: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، وإلى جانب الاستغفار أكثر من فعل الصالحات بعد فعل الذنب؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال:(وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
وختاما: تذكر -أخي الكريم- قول الله سبحانه وتعالى:{وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وادع الله، واطلب من والديك أن يدعوا لك، وتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(ما نقصت صدقة من مال)، فتصدق، واطلب من الله أن يبارك لك في مالك، وتذكر أيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وفقك الله ويسر أمرك.