السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ارتكبت كثيرا من المعاصي وكنت ضالة عن طريق الله.
في بداية هذه السنة ابتليت بمرض، إضافة إلى أنني عانيت من تعب نفسي، وقد تبت إلى الله، وحاليا لا زلت في الابتلاء، وأصبحت أشك في كل شيء، حتى في توبتي، وبسبب الحزن أصبحت لا أشعر بشيء، ولا حتى بالإيمان.
سؤالي: هل تقبل توبتي؟ وما الذي علي فعله لأكون مطمئنة؟ لأن نفسي ضاقت علي.
وأتمنى أن تدعو لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ما أحسن أن يعترف الإنسان بخطئه فيعود إلى الطريق الصحيح! نعم، يعود إلى رشده تاركا تلك الأخطاء والمعاصي، ويقبل على رب رحيم كريم يقبل توبة التائبين.
وقد يبتلى الإنسان بمرض وتعب يلم به، وقد ينضم إلى ذلك تعب نفسي فيظن أن هذا التعب هو دليل على عدم قبول التوبة، وهذا تفكير خاطئ؛ لأن الحق بمجرد أن يتوب الإنسان إلى ربه توبة نصوحا؛ فإن الله هو التواب الرحيم على كل شيء، فلا تيأسي؛ فإن الله تعالى قال عن المسرفين في الذنوب والمعاصي: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم﴾ [الزمر: ٥٢]، وهذا يوضح أن باب التوبة مفتوح لكل من أسرف على نفسه، فلا ينبغي أن ييأس الإنسان من رحمة الله.
وقال تعالى أيضا: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون﴾ [الشورى: ٢٥]، ويقول: ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم﴾ [النساء:17]، ومن هذا نستنتج أن الله لا يقتصر على قبول التوبة فحسب، بل يعفو عن السيئات ويعلم ما يفعل الإنسان، فليطمئن القلب.
بل إن الله من سعة رحمته وعفوه وكرمه يفرح بتوبة أحدنا إذا تاب إليه، وهذا ما يؤكده حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما، قال ﷺ: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة.
فكم نحن سعداء أن لنا خالقا كريما إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فسبحان الله الكريم التواب، الرحيم الرحمن، الذي قال: ﴿ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما﴾ [النساء: 110]، فإن الله يفتح أبواب التوبة في كل وقت وحين.
فيا أيتها البنت الفاضلة، لا تيأسي من روح الله، هذه المتاعب التي ألمت بك ليست بالضرورة دليلا على عدم قبول الله لتوبتك، فأحسني الظن بالله تعالى.
ابنتي التائبة، قد سردت لك الآيات والأحاديث الدالة على التوبة، ومن هنا فلا داع لهذه الشكوك والأوهام، ولا داع للحزن؛ فهذه كلها من وساوس الشيطان (ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) وإياك والقنوط من رحمة الله تعالى.
هل تعلمين أن رسول الله ﷺ بشرنا بأمر عظيم حين رأى امرأة من السبي تبتغي، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها، وأرضعته؟ فقال رسول الله ﷺ: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال رسول الله ﷺ: لله أرحم بعباده من هذه بولدها [رواه البخاري ومسلم]، ومن هذا الحديث نتعلم أن الله أرحم بعباده من البشر، فلا تيأسي ولا تقنطي من رحمته تعالى.
فهذه نصيحتي لك -ابنتنا الغالية- فاطمئني وأحسني الظن بالله تعالى، ولا تضيقي ذرعا، فالله قد قبل توبتك، وهذا ظننا بربنا جل وعلا، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء [أخرجه أحمد].
ومن ذلك نفهم أن التفاؤل والاطمئنان برحمة الله أمر واجب على كل مسلم، وأن حسن الظن بالله يطمئن القلب ويزيل القلق.
أيقني برحمة الله تعالى، وتفاءلي بالخير، واهتمي بدراستك فأنت طالبة وفي مقتبل العمر، وحافظي على الصلاة وقراءة القرآن، وصاحبي أهل القرآن من الفتيات، وأشغلي وقتك بالمفيد والنافع؛ لأن النفس إذا لم تشغل بالحق شغلتك بالباطل.
وفي الختام: أسأل الله أن يتوب عليك ويتوب علينا جميعا، وأن يذهب عنك التعب الواقعي والنفسي، وأن يسعدك دنيا وآخرة، اللهم آمين.