السؤال
أنا أعلم أنكم لا تردون على أسئلة الوسواس، لأنكم قد أجبتم عليها كثيرا، ولكن أسألكم بالله أن تردوا علي وتعطوني حلا، فأنا أعاني معاناة لا يعلمها إلا الله.
أعاني من وسواس قهري شديد جدا في الصلاة والطهارة، ولكن المشكلة الرئيسية في تكبيرة الإحرام وسورة الفاتحة، بسببهما أقطع الصلاة أكثر من سبع مرات في محاولة نطقهما.
لا أستطيع قراءة الفاتحة دون تكرار كل كلماتها، بسبب أخطاء حقيقية تقع مني في النطق، وذلك بعد معرفتي بمخارج الحروف، فأنا أنطق حروفا من غير مخرجها الصحيح، مثل حرف "الضاد"، لأن مخرجه الصحيح لا أستطيع إتقانه أبدا، ولا أستطيع النطق سرا؛ لأن الحروف لا تخرج معي مهما حاولت، فأصلي جهرا، وأصبحت أخشى الناس، وأصلي بعيدا عن أعين أهلي، وأشعر بإحراج شديد، حتى إن أخي يبكي على الحال الذي وصلت إليه.
في كل صلاة، أشعر بخروج ريح، ودائما يكون الشعور يقينيا، وأصبح أداء الفرض الواحد يستغرق مني ٥٠ دقيقة، حتى يتعب جسدي من الألم.
أريد حلا لمشكلتي، فأنا أسعى للعلاج النفسي، ولكن أخطائي في الفاتحة تبطل الصلاة، أطلب منكم أي نصيحة أو حل، بارك الله فيكم، والله إني في حالة شقاء وحزن عظيم، وأخاف من الصلاة، ولا أدري ماذا أفعل؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Noor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
- موقعنا (إسلام ويب) يستقبل جميع الاستشارات، ولا يتجاهل أي استشارة تصل إليه، مهما كانت، والموقع منكم وإليكم، فلا تترددي في إرسال استشاراتك في أي وقت.
- الوسواس يأتي لكل أحد من هذه الأمة وغيرها، إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن الله أعانه عليه، فأسلم، كما أخبرنا بذلك -صلوات ربي وسلامه عليه-.
- الوسواس لم يترك حتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، رغم قوة إيمانهم، وصحة معتقدهم، فقد صح في الحديث أنه (جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان).
- الشيطان الرجيم عدو لدود للإنسان، ولذلك أخبرنا الله بهذه الحقيقة، وأمرنا أن نتخذه عدوا، فقال سبحانه: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)، فالواجب أن نتخذه عدوا، فلا نصغي له، ولا نسمع لوساوسه؛ لأنه لا يمكن أن يكون الشيطان ناصحا للإنسان، فحينما يأتي للإنسان المسلم، إنما يأتيه بصورة المحب الناصح كي يحسن العبادة، ويتقنها، -بزعمه- ويكون من المتدبرين لما يقرؤون، الخاشعين، وهكذا، وهذا كله من مغالطاته ومداخله، لإدخال المسلم في دوامة، يصل في النهاية إلى أن يترك الوضوء، ثم الصلاة، بسبب التعب والجهد والمشقة التي يلاقيها المسلم.
- لقد توعد الشيطان بإغواء بني آدم، وقد ذكر الله عنه أن قال: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم )، وطلب من الله أن ينظره فقال: (رب فأنظرني إلىٰ يوم يبعثون)، فقال الله له: (فإنك من المنظرين * إلىٰ يوم الوقت المعلوم)، فقال الشيطان: (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين)، قال الله: (هٰذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم).
- أول ما يبدأ به الشيطان هو أن يختبر الإنسان، فينظر هل سيصغي للوساوس، وهل سيتحاور معه؟ فإن وجد الإنسان مستسلما مصغيا محاورا، علم أنه ضعيف، فهذا هو الذي يفتك به، ويبدأ بإدخاله في دوامة الوسوسة، وينقله من أمر لآخر، أما أولئك الذين استعاذوا بالله من الشيطان الرجيم، ومن وساوسه، ولم يصغوا لها، ولم يتحاوروا معها، فذلك يخنس منهم، وييأس.
- من العلاج النبوي لموضوع الوسوسة في الصلاة، ما ورد في الحديث الصحيح، فقد أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثا، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني)، فهذا الصحابي نفذ نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت عنه الوساوس، وأنت إذا جاءك الوسواس وأنت في الصلاة، فاتبعي هذه النصيحة النبوية، وسيذهب الله عنك الوسواس، ولا تستلمي لخواطره، ولا لقوله بأن الصلاة لا تصح.
- لست بحاجة إلى هذا التعمق في مخارج الحروف، فاقرئي كيفما تيسر لك، ولا تلتفتي للمخارج، فأكثر الناس لا يتقنونها، وخاصة عامة الناس، ومع هذا لم يقل أحد إن صلاتهم لا تصح، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالمخرج لو افترضنا أنه غير صحيح، فالصلاة صحيحة، فلا تبالي بما يوسوس لك الشيطان.
- لا تعيدي النطق بأي شيء خرج من فمك؛ لأن هذا هو ما يريده الشيطان منك، وهو أن تبقي في تردد، وهو في كل مرة يقول لك: عملك ليس صحيحا، ولا يسمح لك بأن تنتقلي إلى الآية التالية، إلا بمشقة ومجاهدة عظيمة، ولو أنك حزمت أمرك، ولم ترجعي في القراءة للوراء، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، ونفثت على يسارك ثلاثا، لذهب عنك ما تجدينه، كما ورد في الحديث.
- ليس هنالك أخطاء حقيقية تقعين فيها أثناء القراءة، ولو كانت أخطاء لما تكررت معك في كل صلاة، ولتعلمت من أخطائك، لكن كل ذلك من وساوس الشيطان، وليس عندك أخطاء تبطل الصلاة، بل هذه فتاوى باطلة من الشيطان الرجيم، الذي هو عدوك، فلا تلتفي لها، واستعيني بالله، وامضي في صلاتك دون تردد، إن أردت أن تخرجي من هذا المأزق الذي وصلت إليه.
- في مثل حالتك ينبغي أن تصلي جماعة في البيت، كي تركعي مع من يؤمك، وتقومي معه، حتى الفاتحة في حال صلاة الجماعة، يمكن أن تتركيها، لأن الإمام يتحملها عنك، وعليك فقط موافقة الإمام في أعماله، أما ابتعادك عن أهلك، فهذا ما يريده الشطان منك، لينفرد بك ويشغلك بالوسوسة.
- لا تخرجي من الصلاة بحجة أنك متيقنة من خروج الريح، فهذا التيقن ليس حقيقيا، بل هو من وساوس الشيطان، ولو افترضنا أنه يقيني في كل صلاة، فحكمك حكم صاحب الحدث الدائم، يكفيك وضوء واحد لكل صلاة مع نوافلها، فلا داعي للخروج، وصلاتك صحيحة.
- أري الله من نفسك قوة وعزيمة، في عدم الاستسلام للشيطان الرجيم، واستعيني بالله، واطلبي منه أن ينصرك عليه، فالشيطان ضعيف، كما قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
- تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الاستجابة، وسلي الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وحافظي على أذكار اليوم والليلة، والتي يمكن أن تأخذيها من كتيب حصن المسلم للقحطاني، ففي ذلك حرز من الشيطان الرجيم.
نسال الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه، إنه سميع مجيب، ونسعد بتواصلك.