السؤال
السلام عليكم.
زوجة أبي كانت تربيني منذ طفولتي، لكنها كانت تقسو علي، وتسببت لي بمشاكل نفسية، وتفرق بين معاملتي ومعاملة ابنتها، وتسب أمي وتتهمها بما لا يليق، وكانت عنصرية، تحاول قدر الإمكان الاستنقاص من قدري أمام ابنتها، وتسخر مني أمام أبي، وتكذب وتحرف في الدين، وتقول ما ليس في القرآن حتى تفعل ما تريد.
كان أبي ضعيفا أمامها، وإذا دافعت عن نفسي، تحاول أن تؤذيني عن طريقه، وأبي يطلب مني أن أسكت أمامها، وأن أطلب رضاها، وفوق ذلك يطلب مني أن أطلب حاجاتي منها؛ لأنها تمسك كل أموال البيت.
فصرت أقلل من حاجاتي حتى لا أطلب مالا من امرأة تسب أمي، وتقلل من شأني، ويطلب مني أن أشتري لها الهدايا، لكن كل هذا على حساب نفسي، فابنتها تطلب ما تريد، مكرمة مدللة، ولا يلحقها الأذى، أما أنا، فتمن علي، وحتى أبسط حاجاتي أقضيها بنفسي، أفضل الجوع على أن أطلب منها.
هل يعد من العقوق أن أقطع علاقتي بها؟ أو أن لا أطلب منها شيئا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميمي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول وبالله تعالى التوفيق:
• يندر أن نجد زوجة ثانية تعامل أبناء زوجها من زوجة أخرى كمعاملة أبنائها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما ذنب الأبناء الأبرياء في أن يعاملوا هذه المعاملة القاسية؟
• لا شك أن هذه المرأة آثمة في قسوتها عليك، وإظهارها معاملة ابنتها معاملة غير التي تعاملك بها، فإن كانت تريد أن تعامل ابنتها معاملة لينة، فلا يصلح أن يكون ذلك على مرأى منك ومسمع، وإن كان هذا كذلك يعد من الظلم، لكن أقل شيء أن تبتعد عن الإيذاء النفسي لك.
• الذي ننصحك به هو أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله، فالصبر عاقبته خير، ولعل الله يعوضك بزوج يسعدك ويبعدك عن هذه الأجواء، وزوجة أبيك ستجد ما تستحق في الدنيا قبل الآخرة ما لم تتب.
• لقد أدركت ضعف شخصية والدك أمام هذه المرأة، ولذلك ننصحك ألا تحملي في قلبك حقدا، ولا غلا عليه؛ لأن هذه صفته التي جبل عليها، فالوالد يبقى والدا، له حق الصلة والإحسان كما أمرنا الله تعالى بقوله: (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ۚ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، وقال: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۖ وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فانظري كيف أمر الله بالإحسان للوالدين حتى وإن كانا كافرين، وهل بعد الكفر من ذنب؟
• لا بأس من الحد من التعامل مع زوجة أبيك، وأن تقللي طلباتك إلا ما لا بد منه، والأفضل أن تتكلمي مع والدك، بحيث يعطيك مصاريفك اليومية واحتياجاتك دون معرفة زوجته؛ حتى لا تتعرضي للمعاملة القاسية منها، ولعل والدك يتقبل هذه الفكرة، فإن لم يتقبلها فخففي من طلباتك كما سبق.
• السكوت دائما خير رد على كل من يريد إيذاء الآخرين، فالله تعالى يرشدنا لذلك بقوله: (وعباد الرحمٰن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، والمعنى أن عباد الرحمن يكونون حلماء، وإن جهل عليهم لم يجهلوا، وإذا خاطبهم الجاهلون بما يكرهون من القول أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب.
• الإعراض عن كل لغو وكلام باطل وسب وقدح من أفضل ما يرد به على من يتصف بالصفات القبيحة، كما قال تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)، والمعنى: أنه إذا سمع قوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون أجابوهم بالجميل من القول: (لنا أعمالنا) قد رضينا بها لأنفسنا، (ولكم أعمالكم) قد رضيتم بها لأنفسكم، وقوله: (سلام عليكم) أي: أمنة لكم منا أن نسابكم، أو تسمعوا منا ما لا تحبون. (لا نبتغي الجاهلين) أي: لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابتهم.
• من أخلاق الأكابر الحلم عند الإساءة، ولذلك كان من أخلاق الأنبياء والرسل والعظماء، فكم أوذي الأنبياء والرسل فحلموا على قومهم، أفلا نأتسي بهم؟ يقول نبينا عليه الصلاة والسلام مرشدا لنا لهذا الخلق العظيم: "وأن تحلم عمن أساء إليك".
• من أخلاق أهل الإيمان كظم الغيظ والعفو طمعا في رضوان الله تعالى؛ لأنهم يعلمون أن أجرهم على الله، كما قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، وقال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)، وقال صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الإمام مسلم: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
• من أخلاق العظماء الوقوف عند كتاب الله تعالى، والامتثال لأوامره، فهذا رجل يقال له عيينة، دخل على عمر بن الخطاب فقال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل.
• اجتنبي الاحتكاك بزوجة أبيك قدر المستطاع، واجتنبي الرد عليها في حال أساءت إليك، وتخلقي بالعفو وكظم الغيظ قدر استطاعتك، ولكن لو حصل نوع من الاشتباك، ثم طلب منك والدك أن تعتذري منها وتطلبي رضاها، فأطيعي والدك من باب البر به واحتسبي الأجر عند الله تعالى.
• تقديم هدية لزوجة أبيك – ولو كانت متواضعة – يعد من أسباب قذف المحبة في القلوب، وهذه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال: " تهادوا تحابوا ." فجربي ذلك أكثر من مرة، فلعل الله يقذف في قلبها اللين والمحبة، وما ذلك على الله بعزيز.
نحن نود أن تتآلف القلوب لا أن يبقى التنافر بينكما، وإن وجدت منها قربا فاقتربي أكثر، وننصحك أن تتعاملي معها كأنها أمك التي ولدتك، وقومي بمعاونتها في أمور البيت، واستشيريها في بعض ما يهمك، فذلك مما يجعلها تغير من طباعها.
• زوجة أبيك وإن كانت تتعامل معك بشيء من القسوة إلا إنها قد أحسنت إليك وربتك، فاجتهدي أن ترفقي بها وتحسني إليها، وتجنبي كل ما يتسبب في معاملتها القاسية، وأظهري لها برك وإحسانك، وقومي بمساعدتها فيما تستطيعين من أعمال البيت، ولا عتب عليك إن قللت من طلب الأشياء منها، وقد ذكرت سابقا أن تطلبي من والدك أن يسلم لك مصاريفك واحتياجاتك مباشرة دون علمها حتى لا تتعرضي للطلب منها.
• أقترح عليك أن تتقربي أكثر من والدك، وأن تحسني إليه، وتخدميه، بحيث تكسبين قلبه، وهذا سيجعله يلتفت إليك ويلبي طلباتك بعيدا عن نظر زوجته.
• تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله أن يصلح ما بينك وبين زوجة أبيك وبقية أفراد أسرتك.
أحسني الظن بالله تعالى أنه سيستجيب دعاءك، وأكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم، وداومي على دعاء ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، فما دعا عبد بها إلا استجاب الله دعوته.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة، إنه سميع مجيب.