السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باتت نسبة كبيرة من الشباب -تقدر بنحو 85% إلى 90%- يعانون من إدمان المحرمات، والحل في الحقيقة واضح وبسيط: الزواج المبكر، أي بعد البلوغ مباشرة. وقد قرأت في إحدى استشاراتكم أنكم تؤيدون فكرة الزواج المبكر، لكن للأسف هذه الفكرة لا تجد لها تطبيقا فعليا في مجتمعاتنا، إذ ينظر إلى الشاب بأنه ما يزال صغيرا، وأن عليه أن يكمل دراسته أولا!
والنتيجة المؤلمة: أن 85% إلى 90% من الشباب لجؤوا إلى الطرق المحرمة لإشباع غرائزهم، حتى إن كثيرا من الأبناء يعودون من مدارسهم وهم في حالة شديدة من الإثارة، يبحثون عن أي وسيلة لتفريغ شهوتهم.
أتحدث هنا عن واقع فئة كبيرة من الشباب، الذين حرموا من الزواج بحجة صغر السن، ومن النماذج المؤلمة: شاب يبلغ من العمر 15 سنة -نسأل الله أن يستره- منعه والداه من الزواج لأنه صغير، وكانت النتيجة أن حملت خادمة المنزل منه بعد أشهر!
أرجو منكم أن تقدموا لنا حلولا عملية، لتحقيق الزواج المبكر في ظل التحديات التي يواجهها الشباب في مجتمعاتنا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زياد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخانا الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
نسأل الله أن يبارك في همتك العالية، وأن يستعملك في طاعته، ويعينك على الخير، والموضوع الذي طرحته موضوع بالغ الأهمية، ويحتاج إلى مجموعة من التنبيهات الجوهرية، فهو في الحقيقة يمثل مشكلة حقيقية تواجه المجتمعات المسلمة، خاصة في ظل ما نعيشه اليوم من انفتاح واسع على ثقافات مغايرة، ومع التطور الكبير في وسائل الاتصال، التي ألغت الحواجز وجعلت العالم كأنه قرية صغيرة.
أخانا الكريم: مع أننا لا نتفق مع النسبة التي ذكرتها، إذ يظهر فيها نوع من المبالغة، وتحتاج إلى دراسات ميدانية دقيقة لتقريرها، إلا أننا نلتمس لك العذر في ذلك، فقد يكون قصدك هو بيان خطورة الوضع وتفاقمه بين الشباب، وعلى أي حال، فالمجتمع المسلم يحتاج بالفعل إلى وعي أعمق بالتحديات، والبحث في جذور المشكلات قبل البحث عن الحلول.
أما ما ذكرته من الحاجة إلى تيسير الزواج عند توفر القدرة، فهذا حق، إذ يعد الزواج من أنجع الوسائل لحماية الشباب من الوقوع في الفتن، وقد أرشد إليه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء (متفق عليه). والباءة تعني القدرة على الزواج، وهي لا تقتصر على القدرة الجسدية أو الخشية من الفتنة فقط، بل تشمل أيضا القدرة المالية لتأمين نفقات الزواج من مسكن ونفقة، إضافة إلى النضج النفسي والاجتماعي لتحمل المسؤولية.
ومن فقه هذه العلاقة أن الزواج ليس مجرد وسيلة للتحصين من الشهوات، بل هو مشروع متكامل يهدف إلى بناء أسرة مستقرة، يسودها السكن والمودة والرحمة، وهذا لا يتحقق إلا مع قدر من النضج والوعي، فإذا اجتمعت القدرة المادية والبدنية، مع الحد الأدنى من النضج، كان من الحكمة أن يبادر الشاب إلى الزواج، ولا يمنعه من ذلك صغر سنه، وهذا أمر نسبي يختلف من شخص لآخر، فقد ينضج شاب في سن مبكرة، بينما يتأخر غيره حتى بعد العشرين، ولهذا فإن الزواج المبكر ينبغي أن يفهم على ضوء توفر شروط الباءة، لا على أساس عمر محدد، وقد بين العلماء أن حكم الزواج يدور بين الأحكام التكليفية الخمسة، تبعا لحال الشخص وحاجته، فقد يكون واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها، أو محرما.
ولكي تكون الدعوة إلى الزواج المبكر أكثر واقعية ونجاعة، لا بد من مراعاة جملة من الأمور، يمكن تلخيصها في أربعة محاور رئيسية:
المحور الأول: بناء الوعي المجتمعي، وذلك من خلال أمرين:
الأول: نشر الثقافة الصحيحة، بأن الزواج المبكر لا يعني إعاقة المستقبل، بل قد يكون دافعا للاستقرار والنجاح.
الثاني: إعادة النظر في مفهوم "النضج"؛ فهو لا يقاس بالعمر فقط، وإنما بالقدرة على الالتزام والمسؤولية.
المحور الثاني: تيسير الإجراءات والتكاليف، وذلك في السعي في أمور:
الأول: التخفيف من المهور والمبالغة في متطلبات الزواج، اقتداء بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: تشجيع أنماط الزواج البسيط، البعيد عن المظاهر المرهقة.
الثالث: إطلاق مبادرات مجتمعية ومؤسسية لدعم الزواج، مثل الجمعيات الخيرية، والصناديق الوقفية.
المحور الثالث: تهيئة الشباب للمسؤولية، من خلال التوجهات التالية:
الأول: إقامة برامج تأهيلية في مهارات الحياة الزوجية، وإدارة المال، والتواصل الأسري.
الثاني: إدماج الشباب في أعمال ومسؤوليات منذ وقت مبكر، ليعتادوا تحمل الأعباء.
الثالث: إبراز النماذج الناجحة لتكون قدوات يحتذى بها.
المحور الرابع: الدعم المؤسسي والمجتمعي، ويتحقق بأمور، مثل:
الأول: تخصيص برامج رسمية لدعم المقبلين على الزواج، مثل القروض الحسنة والمنح.
الثاني: إنشاء جمعيات وصناديق لدعم زواج الشباب، مع تنظيم زيجات جماعية ميسرة.
الثالث: وضع سياسات تسمح بالتوفيق بين الدراسة والزواج، بدل وضعهما في موضع التعارض.
الرابع: تشجيع الأوقاف الأسرية، لمساعدة أبناء العائلات في الزواج عند بلوغهم.
الخامس: توفير فرص عمل جزئية، تمكن الشاب من الاستعداد المادي للزواج، وهو في طور الدراسة.
وأخيرا: -أخانا الفاضل- لا بد من التأكيد على أهمية البعد الديني والأخلاقي، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الصوم بديلا عن الزواج لمن عجز عنه، ليكون وسيلة لحفظ النفس وكبح الشهوة، وهذا لا يتحقق إلا بوجود وازع ديني راسخ، وخشية لله تعالى في السر والعلن، فالمجتمع يحتاج إلى بناء أخلاقي وروحي مواز لدعم الزواج، حتى ننشئ أجيالا صالحة تتحمل المسؤولية بحق، فقد يتزوج المرء ومع ذلك يبقى ضعيف الوازع الديني، قليل الوعي بمسؤوليات الحياة الزوجية، فينشأ عن ذلك مشكلات أعقد، لذا فالحل الأمثل هو بناء متكامل يشمل: الوعي المجتمعي، التيسير المادي، التأهيل الأسري، والدعم الديني، حتى يثمر زواجا ناجحا واستقرارا اجتماعيا.
نسأل الله أن يوفقك، ويسدد خطاك، ويبارك في حرصك وهمتك.