السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مسلم وأعبد الله، وأعلم أنني لست عبدا كاملا، لكنني أعلم أن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وأن القلوب بين يدي الرحمن يقلبها حيث يشاء، وأنا أردت العفاف والاستقامة، وتزوجت من غير دخلة شرعية، ثم حدث أن زوجتي طلبت الطلاق.
دعوت الله وتضرعت إليه، لأنني أعلم -والله خير العارفين- أني سوف أضل بعد ذلك؛ لأنني في بلاد أجنبية.
سؤالي: إن الله على كل شيء قدير ويفعل ما يريد، فلماذا لم يكمل لي زواجي؟ وأقول لك: إن الله على كل شيء قدير، أيإأنه حتى وإن لم يكن بزواجي خير، فالله قادر أن يجعل الخير كله فيه، فلماذا لم يستجب لي؟
وشكرا على الإجابة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قرأت رسالتك، وفهمت مشكلتك، وجوابي لك -أخي العزيز- كالآتي:
1- طبعا كون الإنسان يقول: أنا مسلم وأعبد الله، فهذا شرف عظيم انتساب الإنسان إلى هذه الأمة المسلمة، وكذلك الاعتراف بالتقصير، فكلنا كذلك، وكما قلت، فإن الله عز وجل يقول للشيء كن فيكون، وأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وليس كيف نشاء نحن، قال تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.
2- أخي الكريم: إن الله تعالى ربط في هذه الحياة الدنيا الأسباب بالمسببات، فاقعد مع نفسك وفتش عن سبب طلب زوجتك الطلاق، خصوصا وأن طلبها كان قبل الدخول الشرعي، واسألها أيضا، فقد يكون هناك سبب مقبول، كما ينبغي إشراك أهلها في حل هذا الأمر.
ثم -يا أخي- هل ضاقت الدنيا بالنساء؟ إذا كانت هذه المرأة لا تريدك أو لا تريد الحياة معك، فالنساء غيرها كثير، وما يدريك؟ لعل الله تعالى يرزقك خيرا منها، ألا تعلم أن رسولك الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة حق على الله عونهم، ومنهم الناكح يريد العفاف" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
أهم شيء إذا كان سبب طلبها للطلاق سببا مقبولا، فحاول أن تسد هذه الثغرة وتصلح هذا الخلل الذي بناء عليه طلبت الطلاق، حتى لا تتكرر المسألة مع امرأة أخرى، واعمل بالأسباب من خلال البحث عن زوجة أخرى مع الدعاء أن يوفقك الله.
ولعلك تتعرف على إخوة أفاضل في المراكز الإسلامية عندكم في فرنسا، فغالبا ما تكون هذه المراكز مكانا للصالحين، بعد أن تتعرف عليهم، اسألهم عن زوجة صالحة، فهذا من الأسباب الميسرة للبحث، والتي قد تكون سببا -إن شاء الله- في الوصول إلى الزوجة الصالحة.
3- الرسالة التي أوجهها لك هي أنه لا ينبغي أن تقول: لماذا لم يكمل الله لي زواجي؟ لأن فتح هذا الباب في كل شيء أمر خطير جدا، ولا يلائمك، فلا بد من الاستسلام لأمر الله الكوني والقدري، والرضا بقدر الله، خيره وشره، حلوه ومره، فكله من عند الله تعالى. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" [رواه مسلم]، مع العمل بالأسباب الجالبة للمنافع والمدافعة عن المضار.
4- لا تيأس من إجابة الله تعالى الكريم المتعال، فهو سميع الدعاء، عظيم الرجاء للدعاء، وقد أمرنا الله تعالى بالدعاء ووعدنا بالإجابة، قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، وقال تعالى أيضا: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186].
ودعاؤك لن يضيع، فإنك إما أن تجد حاجتك، أو يصرف الله عنك من السوء مثلها، أو يدخرها لك في الآخرة، كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
5- أوصيك بالاستمرار في الدعاء مع بذل أسباب الإجابة وإزالة موانعها، ولا سيما اجتناب الحرام في المأكل والمشرب والملبس، ولا تستعجل في إجابة الدعاء، ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي" [متفق عليه].
ومن الأدعية المستجابة دعاء ذي النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87]، فإنه لم يدع بها مسلم في شيء إلا استجاب الله له [رواه أحمد وصححه الألباني]، مع إحسان الظن بالله تعالى.
6- عليك بالإلحاح في الدعاء، وهو المداومة والاستمرار عليه، وعدم اليأس عن الاستجابة، حتى لو تأخرت الإجابة فالإلحاح في الدعاء أمر مستحب لما في الإلحاح من إظهار الضعف، وشدة اللجوء إلى الله تعالى، وأنت بالإلحاح بالدعاء قد جمعت بين عبادات عدة، منها: التعلق بالله تعالى ودعائه، وترك دعاء غيره سبحانه وتعالى، وفيها استعمال اللسان باللهج بدعاء الرحمن، وانتظار فرج الله تعالى وهو أيضا عبادة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا دعا ثلاثا واذا سأل سأل ثلاثا" [رواه مسلم]، وهذا هو الإلحاح في الدعاء، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء.
7- إذا كنت تتخوف من الحياة في الغرب، فابتعد عن مواطن الفتن، والنظر إلى ما يحرم عليك، وعليك بالصوم كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي وقاية.
وفي الأخير: أسأل الله تعالى أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على الخير والعفاف، اللهم آمين.