كلما فتح لي باب يغلق سريعًا، فما السبيل إلى الفرج؟

0 4

السؤال

السلام عليكم

أنا صيدلانية تخرجت السنة الماضية، وأشعر أنني فاشلة في عملي، ولا أعرف السبب رغم أنني أجتهد كثيرا، وأراعي الله في عملي، ومع ذلك أفشل.

- خلال هذه السنة، عملت في حوالي سبعة أماكن، وفي كل مرة أعمل شهرا أو شهرين، ثم ينهى عملي، ليس بسبب قلة خبرتي؛ بل لأنني لا أحسن التعامل مع زملائي في العمل.

- آخر صيدلية عملت بها، تم طردي بسبب سوء التعامل مع الزملاء، ومنذ ذلك الوقت، وأنا أبحث عن عمل آخر، ذهبت إلى العديد من المقابلات، ولكن لم يقبل طلبي في أي منها.

- كل الأبواب مغلقة، ولا أعرف لماذا، قال لي أحدهم: إن السبب هو ذنوبي، فبدأت أبحث عنها، وأحاول تركها شيئا فشيئا، ولكن لا أرى أي تحسن في حالي، كلما يفتح باب، يغلق سريعا، تعبت ويئست، حتى أهلي بدأوا ينظرون إلي على أنني فاشلة ولا أنفع في شيء.

- كنت في البداية ساذجة وبسيطة، معتقدة أن الناس عندما يرون سذاجتي لن يؤذوني، لكن اتضح لي أنني كنت أسمح لهم بأن يفترسوني، وهكذا فعلوا! كنت الطرف الأضعف الذي تخلصوا منه سريعا، لكنني الآن لم أعد كذلك، وفي المقابل بدأت أخسر من حولي، واحدا تلو الآخر؛ لأنني أصبحت قاسية في التعامل معهم، حتى مع والدي، وهما أكثر من أتصادم معهم، أتعامل معهم بقسوة رغما عني؛ لأنهم يستفزونني كثيرا، فأضطر للجدال معهم بصوت مرتفع، ثم أتضايق بعدها.

الآن، أهلي ينظرون إلي وكأنني ناكرة للجميل، وأنني لم أكن جديرة بتربيتهم وتعبهم علي، كل أبواب الرزق مغلقة في وجهي، وأنا يائسة جدا ومتعبة.
لاحظت أن الله يفرجها علي عندما أسلم الأمر له، لكنني لا أعرف كيف أصل إلى هذا الإحساس.

نسيت أن أخبركم أن الناس الذين يستمرون في العمل هم الأقوياء والسيئون، أما من يصفون أنفسهم بالطيبة، فيتم التخلص منهم في أول فرصة، هل لأنني ضعيفة يفعل بي هكذا؟

أنا الآن سقطت في نظر أهلي، وفي نظري أيضا، وأصبحت فاشلة في حياتي.
بالإضافة إلى أنني عزباء، وليس لدي شيء يشغلني!

أريد أن يتوب الله علي، ويفتح لي أبواب رزقه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله جل وعلا أن يفتح عليك من أبواب رزقه سبحانه، إيمانا به، واستقامة على أمره، وزوجا صالحا، واستغناء ماليا بعمل أو زوج مقتدر، وصلاح حال مع الأهل، وحسن بر بالوالدين، وخلقا كريما حسنا، وسيرة طيبة، وحسن تعامل مع الجميع.

رسالتك تحمل آلاما عديدة تشعرين بها، لكن من أشدها ألما ما يسمى بجلد الذات، وهو أن يوجه الإنسان إلى نفسه من السب واللوم والنظرة السوداوية، ما يزيده تحطيما وقعودا عن السعي للمعالي.

والمؤمنة التي تعلم أن الرزق بيد الله، وأن لكل شيء أوانه، {وفي السماء رزقكم وما توعدون}، و{إن مع العسر يسرا}، فإنها لا يتزعزع إيمانها ولا تضطرب أحوالها، بل تبذل الأسباب، وتستعين بالدعاء، وتستثمر وقتها فيما فيه فائدتها في الدنيا والآخرة، وتنتظر الفرج من الله.

وإذا قارنت نفسك -وأنت الصيدلانية الخريجة- بمن لم تستطع الدراسة أو فشلت وأخفقت فيها، أو درست تخصصات أنزل منك اجتماعيا، فإن هذه المقارنة تزيد من شكرك لله تعالى، وتقلل التسخط على حالك.

ثم إن الخريج الجديد مطلوب منه أن يسعى لبناء خبراته بهدوء، من خلال البحث عن عمل ولو بدون مقابل مالي، أو في غير المجال، أو فيما فيه دخل ضعيف، ليتعود على بيئة العمل بالتدريج قبل أن ينطلق في العمل الوظيفي الاحترافي.

وقد دلت رسالتك على احتياجك لكثير من مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين، أو ما يعرف بالذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي؛ فاحرصي على بذل الوقت والجهد لتحصيل تلك المهارات من خلال الدورات المتوفرة على الإنترنت، وهي كثيرة بحمد الله.

واعلمي أن ما حصل منك من الانتقال من حال الطيبة، إلى حال القسوة والشدة في التعامل هو ردة فعل تحتاج منك إلى ضبط، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والحكمة تقتضي التوسط والاعتدال، والتفريق بين أنواع الناس، فمهما كان هناك سوء في أحوال الناس، فإن فيهم من أهل الخير والصلاح من لا يناسب معاملته بضد ذلك.

ومن أكثر ما آلمنا في رسالتك أن هذه القسوة قد دخلت معك إلى البيت، والبيت والأسرة هما محل الاطمئنان والسكن والرحمة؛ فمهما حصل لك خارج البيت فينبغي تحييده، بألا تؤثر تلك الأمور الخارجية على علاقتك بأهل بيتك، حاولي استعادة هذه العلاقة الحسنة معهم بأن تبدئي بمن هو أقلهم استفزازا لك وأكثرهم احتراما ومودة، ثم تتدرجي مع البقية، واعلمي أن مقام الوالد أعلى من أن يدخل في التعامل معه ما يسوؤه، ولو صدر منه أشد الأمور، قال الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

والظاهر أن ما حصل لك من انتقال من حال الطيبة إلى القسوة ناتج عن مفاهيم مغلوطة ترسخت عندك، من أن القسوة تأتي بما لا يأتي به اللين، والنبي ﷺ قد أمر بالرفق، وقال: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وإن الله تعالى ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالشدة، ولكن الرفق الذي جاء الأمر به في الحديث لا يعني أن يكون الإنسان غافلا عن حقه، أو مهملا له حتى يأخذه غيره، فقد قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، بمعنى أنني لست ماكرا، لكن الماكر لا يستطيع أن يأخذ مني شيئا، وهذا من الحرص المحمود؛ فالطيبة وحسن التعامل لا يتعارضان مع الحرص والدقة في أخذ الإنسان حقه بأدب ولين ولطف، مع الحذر ممن يضره.

وما جرت الإشارة إليه في كلامك من أمر القرب من الله تعالى، والبعد عن الذنوب فلا شك أنه مؤثر، ولا بد من الحرص عليه، بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والإكثار من الأدعية وسؤال الله تعالى التوفيق والرزق الحلال، مع السعي لبذل الأسباب التي تعين على ذلك، من الدورات التي جرت الإشارة إليها في الفقرات السابقة، ومن مجاهدة النفس في تحسين الأخلاق؛ فإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم.

نسأل الله تعالى أن يصلح بالك، وييسر أمرك، ويزيدك علما وفهما، ويعجل لك بالفرج وصلاح الحال.

مواد ذات صلة

الاستشارات