السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا حائرة في أمري، فأنا فتاة أحفظ القرآن وأدرس التجويد، ولا أمانع أن أقضي عمري كله في تعلم القرآن وتعليمه، أحب الله كثيرا، وأخافه كثيرا، وأخشى الحرام والمعاصي، لكن عندي مشكلة واحدة يضيق بها صدري، الصلاة ثقيلة علي جدا، لا أخشع فيها، ولا أؤديها بحب، وأحيانا أقطع الصلاة، وقد يئست من نفسي، حتى ظننت أني يجب أن أتخلى عن حفظ القرآن وذهابي إلى المسجد للدراسة.
أشعر أني منافقة، وأخاف أن يكون ما أتعلمه حجة علي، وأخاف من نظرة أهلي، فهم يعلمون أني أحفظ كتاب الله، ويروني أحيانا أقطع الصلاة، لا أريد أن أنقل هذه الصورة، فالأمر مسؤولية وأمانة.
لكني (والله) أحاول، ولا أعلم ماذا أفعل، وضاقت بي الدنيا، وأدعو الله كثيرا، وأبكي بحرقة، وألح في الدعاء أن يحبب قلبي في الصلاة، ويعلق قلبي بالصلاة كما هو معلق بكتابه الكريم، ولكنني أعود دائما إلى نفس الدوامة، أريد حلا أو طريقة ألتزم بها.
بارك الله فيكم، وجزاكم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارة إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يحبب إليك الطاعة، ويزينها في نفسك، ونحن نهنئك أولا -ابنتنا العزيزة- بفضل الله تعالى عليك حين رزقك حفظ القرآن الكريم، وحبب إليك تعلمه وقراءته، وهذا فضل عظيم ينبغي أن تشكري الله تعالى عليه.
ومن شكر الله تعالى: العمل بطاعته، واجتناب كل شيء يسخطه، ومن أهم هذه الطاعات: أداء الصلوات الخمس، وينبغي أن تعلمي -ابنتنا الكريمة- أن الشيطان بالمرصاد لكل مؤمن، فإنه يحاول بكل ما يستطيعه من وسائل وحيل، يحاول أن يقطع الطريق على المؤمن والمؤمنة، إذا قرر المشي في طريق الله تعالى، والمضي في طريقه المستقيم، كما قال الرسول الكريم ﷺ: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها، فهو يريد أن يصرفك عن الأسباب التي تسعدك في دنياك وآخرتك، ولا شك أن أهم هذه الأسباب: الصلاة، فهي أعظم أركان الإسلام بعد كلمة التوحيد، وهي أول ما يوزن من عمل الإنسان يوم القيامة، وهي سبب سعادته وانشراح صدره في دنياه وفي قبره، وفي عرصات القيامة.
ولأهمية هذه العبادة وعظيم أثرها، فإن الشيطان يحاول ويسعى جاهدا أن يمنع الإنسان من أن يصلي، ويحول بينه وبين الصلاة، وإذا وجده عازما صادقا في فعل هذه الصلاة، فإنه يحاول أن يصرفه عن الخشوع فيها ليقلل من ثوابها، فهذه كلها حيل شيطانية ليصد عن الصلاة، كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه الكريم، حين قال سبحانه وتعالى: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة﴾.
فهو مجتهد في أن يصد الناس عن الصلاة، وقد دخل إليك من مدخل يتناسب مع ثقافتك وحرصك، فلما وجدك حريصة على الصلاة، ورأى أن في قلبك خيرا كثيرا، وأنه لا يستطيع أن يصرفك عنها من خلال تزيين الشهوات والمحرمات، فإنه جاء إليك من باب الحرص على الخشوع في الصلاة، ثم جرك بعد ذلك إلى قطع هذه الصلاة بحجة عدم الخشوع فيها، وهذه حجة شيطانية بلا شك.
فإن الله تعالى يرضى منك العمل بالطاعة، وإن نزلت مرتبتها أو خفت كيفيتها، فالصلاة مراتب، والناس في صلاتهم مراتب أيضا، وقد أخبر الرسول ﷺ أن من الناس من تكتب له نصف صلاته، ومنهم من يكتب له ثلثها، ومنهم يكتب له ربعها، إلى أن قال: عشرها (رواه أحمد)، وفي رواية: إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها (رواه أبو داود والنسائي).
فالناس مراتب في هذه الصلاة كما ترين، ولكن الجميع يشتركون في أنهم أدوا فريضة الله تعالى، فنجوا بأنفسهم من عقاب الله وسخطه، والجميع يشتركون في أنهم منتفعون بقدر من هذه الصلاة، وإن تفاوت الانتفاع بعد ذلك بحسب خشوعهم في صلاتهم.
ولكن الشيطان يريد أن يعميك عن هذه الحقيقة، ويحاول أن يصور لك بأنك ما دمت لم تخشعي في الصلاة؛ فلا فائدة منها إذن! فادفعي هذا المكر الشيطاني بنور العلم، واعلمي أن الصلاة تنفعك وإن قل خشوعك فيها.
والعلماء لا يشترطون الخشوع لصحة الصلاة، فإن الصلاة تصح ولو لم يخشع فيها صاحبها، ومعنى أنها تصح: أي أنه يسقط عن نفسه طلب هذه الصلاة، فلا يطالب بقضائها، وإن حرم كمال الثواب عليها، ولكنه قد انتفع بأنه أسقط العقاب عن نفسه.
فانتباهك لهذه الحقائق وتيقظك لها هو أهم ما معين يعينك على الحفاظ على هذه الصلاة، واعلمي أنك كلما جاهدت نفسك لتحصيل الخشوع، فإنه سيحصل شيئا فشيئا، وأكثر الناس يصلون مثل هذه الصلاة التي كنت تصلينها، صلاة ناقصة الخشوع، ولكنها ستنفعهم يوما ما.
فاحذري إذا من قطع الصلاة، واعلمي أن قطعها أعظم المنكرات بعد الكفر بالله تعالى، وأنه لا ينفعك الاحتجاج بأنك كنت تصلين صلاة ناقصة الخشوع، بعد أن بينا لك هذا البيان.
احرصي على مصاحبة الصالحات والتواصل معهن، فإنهن خير من يعينك على المواظبة على الصلاة، واستمعي دائما المواعظ التي تذكرك بثمرات الصلاة وفوائدها في حياتك الدنيا، وفي قبرك، وفي عرصات القيامة.
فالأحاديث كثيرة جدا في بيان هذا، وخير ما ننصحك بقراءته كتيب صغير موجود على شبكة الإنترنت اسمه (لماذا نصلي؟) للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، فاحرصي على قراءته، وانظري ما فيه من الفوائد.
وفقك الله -سبحانه وتعالى- لكل خير.