السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أرملة، وأعيش في بيت أهلي، ولدي ابنة عمرها 13 سنة، وتوفي والدي منذ 10 سنوات، وأنا من أقوم برعاية عائلتي والقيام بجميع أمورهم.
لدي أخت عمرها 17 سنة، وهي مؤذية جدا، وقد أرهقتني بكلامها وتصرفاتها، فهي تتحدث عن كوني أرملة، وتقوم بتقبيحي أمام العائلة وأمام ابنتي، وتستخدم ألفاظا جارحة على أي شيء أشارك فيه بالكلام أو أطلبه، أو إذا لم أنفذ جميع رغباتها غير المنطقية، فتهاجمني وتسبني وتدعو علي.
لقد تعبت من النقاش والجدال، وأصبحت لا أكلمها منذ شهرين، وأقضي أغلب وقتي في غرفتي؛ أشعر بالراحة بهذه الطريقة لتجنب التعب النفسي، إذ لا يظهر أي احترام أو تقدير من جانبها، فهي تنكر كل شيء أقوم به من أجلها، وترى أنني مقصرة بحقها، ويشهد الله أنني لم أقصر، فقد أعطيتها أكثر من إخوتي وابنتي، ومع ذلك تعبت من قلة الاحترام وعدم التقدير، وزيادة التطاول، حتى إنها تصفني بالجاهلة لأنني لم أكمل تعليمي، إذا تدخلت في أي نقاش أو شاركت برأيي!
لذلك، قطعت الكلام معها، لكن والدتي تقول إني ملعونة لأنني قطعت صلة الرحم، ولم أكلمها لأكثر من ثلاثة أيام، وقد تعبت نفسيتي جدا! والله لم أقاطعها حقدا أو كرها، بل لتجنب لسانها الجارح، مع أني لم أقاطعها كليا، لكن هذا أخف علي من استمرار المعاناة.
أرجو منكم تفهم موقفي ومشاعري جيدا، فهل تحل علي اللعنة وغضب رب العالمين شرعا بسبب مقاطعتي لها؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أريج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا وبنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يرحم الوالد رحمة واسعة، وشكر الله لك ما تقومين به من رعاية للعائلة، والقيام بالواجبات، وخدمة الوالدة والإخوة والأخوات والبنت، ونسأل الله أن يعينك على أداء هذه الوظائف، وأن يكتب لك الأجر كاملا.
ونحن تفهمنا المعاناة مع هذه الفتاة التي تمر بمرحلة عمرية لا تخلو من الصعوبة، خاصة والحالة التي أشرت إليها متجاوزة لحدودها في الإساءة لمن هو أكبر منها، ونتمنى أن يكون للوالدة موقع وموقف غير هذا الموقف، بحيث تحض الصغيرة على احترام الكبيرة التي تقدم لها الخدمات.
ونحن – مع هذا الشر الذي يأتي من هذه الفتاة الشقيقة – نذكرك بأمرين:
الأمر الأول: أن الصبر عليها نوع من البر للوالد (رحمه الله) وللوالدة، ولذلك ينبغي أن تقدمي هذا الجانب، خاصة مع شعورنا أن الوالدة لا ترضى بهذا الذي يحدث، وليس معنى أنك تتكلمين معها أن تتداخلي معها كثيرا؛ فإن الإنسان يخرج من دائرة الهجر –الممنوع شرعا أكثر من ثلاثة أيام– إذا اكتفى بمجرد السلام عند مقابلتها أو بالكلام المحدود.
فلا تكثري معها الكلام، ولا تتداخلي معها كثيرا، لكن ينبغي أن تكسري حد الخصام، وحد الخصام لتخرجي منه يكون بالسلام عليها إذا قابلتها، وبالسؤال عنها إذا مرضت، وبمساعدتها بما تستطيعين إذا احتاجت، وبذلك تكونين قد أرضيت الوالدة، وخرجت من الحرج الشرعي.
واعلمي أن الجنة مهرها غال، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، حتى لو كان الطرف الآخر هو المسيء، فإن الشريعة تقول: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (رواه البخاري ومسلم).
فواصلي مشوار الصبر، واجتهدي في إرضاء الوالدة، وعند رضاها اطلبي منها الإنصاف، واطلبي منها أن تمنع ابنتها الصغيرة من التطاول على أختها الكبيرة، هذا حق شرعي، ولكن نحن نريد ألا تنفرد بالوالدة، بل نريد أن تسعي أنت أيضا لإرضاء الوالدة، حتى تستكملي جوانب الفضل العظيم من خلال خدمة الأسرة والقيام بها، وهذا تأخذين عليه أجرين: فهو بر للوالد المتوفى، فاحرصي أيضا على أن تنالي بر الوالدة، وقربك منها سيفوت الفرصة على الفتاة المذكورة من أخواتك الصغار وعلى غيرهن؛ لأن الوالدة ستعرف الحقائق، وستعرف أنك محسنة وصابرة.
ونبشرك بالأجر والثواب العظيم عند الله - تبارك وتعالى - ونسأل الله أن يهدي هذه الأخت الشقيقة إلى أحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يجنبها السوء وأهل السوء، وأن يلهمكم السداد والرشاد.
ونبشرك بأن الجنة تحتاج إلى صبر، وبر الوالدين أمره عظيم، فاجتهدي في إرضاء الوالدة، وأكثري من الدعاء للوالد؛ فإن البر به لم ينقطع بموته، فقد قال ﷺ: إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي، وإن أباه كان صديقا (رواه مسلم).
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرحم موتانا، وأن يبارك في الأحياء من آبائنا وأمهاتنا، وأن يلهمنا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.