هل من الحكمة أن أرتبط ولم أكمل دراستي، ولا أضمن العمل؟

0 4

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا على جهودكم المباركة، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.

أنا طالب طب في السنة الرابعة، ملتزم بديني والحمد لله، محافظ على صلاتي، وأسعى قريبا لإتمام حفظ القرآن، غير أن نشأتي لم تكن سهلة؛ فقد كان والدي –غفر الله له– عصبي المزاج، يكثر من مقارنتي بغيري من الأطفال، ويضربني، ويهينني رغم تفوقي، مما ترك أثرا عميقا في نفسي، وجعلني هش الشخصية، منطويا، وأعاني من رهاب اجتماعي شديد، مع شدة التعلق بكل من يظهر لي اهتماما.

في السنة الثانية من الكلية ساءت حالتي النفسية والدراسية كثيرا، وكنت أمر بنوبات بكاء طويل، يقابله فترات فرح مفرط، فشخصت بـ (اضطراب ثنائي القطب)، وبدأت العلاج بمعدلات المزاج، وتحسنت تدريجيا بفضل الله، حتى قالت لي الطبيبة مؤخرا إنني أقترب من التوقف عن الدواء بعد الخفض التدريجي، وحالي الآن أكثر استقرارا ونتائجي الدراسية في تحسن.

خلال فترة معاناتي أعجبت بفتاة على خلق ودين، محجبة وحافظة للقرآن، وتذكرني بأمي، وكنت أتابع منشوراتها عاما كاملا دون كلام، ثم علمت بالأمر فاتصلت بي بدافع الخوف على نفسها، وصارحتها بكل ما مررت به، ودار بيننا أربع محادثات على فترات متقطعة؛ وكانت أحيانا لطيفة وأحيانا شديدة، حتى انتهى الأمر بأن غضبت وقالت إنها مصدومة.

الآن أفكر في خطبتها رسميا، مع أمل أن تستمر الخطبة حتى تخرجنا، فنستقر ثم نتزوج، لكنني متردد، وأخشى رفضها أو رفض أهلها بسبب معرفتهم بتجربتي، وأخشى كذلك البطالة بعد التخرج، خاصة أن فرص العمل قليلة بالنسبة للأطباء هنا، مما يجعلني أشعر بضرورة التفوق أكثر.

فهل من الحكمة التقدم لها الآن، أم الأفضل أن أنتظر؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله العظيم أن يشرح صدرك، ويثبت قلبك على طاعته، ويكتب لك الخير حيث كان، ثم يرضيك به.

الأخ الكريم: ما ذكرته من نشأة صعبة، ومعاناة نفسية ثم تحسن بفضل الله، ثم تفكيرك في الزواج، كلها مراحل طبيعية في طريقك، ولكن تحتاج إلى ترتيب الأولويات، والنظر بعين الشرع والعقل معا.

ثانيا: أنت في السنة الرابعة من الطب، ولا يزال أمامك وقت قبل التخرج، والانشغال الآن بالخطبة قد يزيد الضغط عليك نفسيا ودراسيا، أما الانتهاء فسيعزز من ثقتك ويعطيك البراح الأكبر للاختيار، بعد أن صرت على أرض صلبة من الناحية النفسية والعلمية وأيضا المادية، فالقدرة على الإنفاق وتحمل المسؤولية جزء أصيل من الزواج.

ثالثا: من المهم أن نعلم أن الزواج مسؤولية عظيمة، ولا بد أن يبنى على الدين والخلق كما قال ﷺ: فاظفر بذات الدين تربت يداك (رواه البخاري ومسلم)، دون أي ضغوط نفسية أو هروب نفسي، ولا شك أن التواصل السابق بينك وبينها ترك أثرا من التوتر، وربما الصدمة، والزواج لا يبنى على اندفاع عاطفي، بل على ثقة وطمأنينة، لذلك فالأفضل أن تنتظر حتى يأتي وقت تكون فيه قويا، وتتقدم لها رسميا عبر أهلك؛ فإن كانت من نصيبك فستكون لك، وإن لم تكن فالله سيعوضك خيرا.

رابعا: متى يكون التقدم مناسبا إذا؟
إذا استقرت حالتك النفسية مدة معتبرة بعد التوقف عن العلاج، وإذا قاربت التخرج، وصارت لديك رؤية عملية لمستقبلك، وإذا وجدت إشارات إيجابية من الفتاة وأهلها، وقتها ستكون خطوتك أكثر ثباتا وأقل عرضة للصدمات، ولا تنس قول النبي ﷺ: ‌واعلم ‌أن ‌ما ‌أصابك ‌لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك (رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود).

خامسا: نصيحتنا العملية لك:
- أن تركز في هذه المرحلة على ثلاثة محاور:
1. علاقتك بالله، وذلك بقراءة القرآن، والإكثار من الدعاء أن يرزقك الله الزوجة الصالحة، فقد قال ﷺ: إن الله يرفع بهذا ‌الكتاب ‌أقواما ‌ويضع ‌به ‌آخرين (رواه مسلم).
2. دراستك، فهي سبيلك إلى الاستقرار المادي والمهني، واجعل نيتك فيها صالحة.
3. بناء شخصيتك اجتماعيا وذلك بالصحبة الصالحة.

وخلاصة الأمر:
التريث الآن هو الحكمة، فركز على التفوق، وتثبيت نفسك روحيا ونفسيا، وانتظر حتى تستكمل عدتك، ثم تقدم بخطبة رسمية تحفظ لك ولها الكرامة، فإن كتبها الله لك فلن تفوتك، وإن لم يقدرها لك فاعلم أن الله سيعوضك خيرا منها، قال تعالى: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾.

بارك الله فيك وسدد خطاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات