السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تواصلت معكم أكثر من مرة، وجزاكم الله عني وعن كل من تساعدون خير الجزاء، ورفع مقامكم في الفردوس الأعلى، أعتذر كثيرا على كثرة الأسئلة والاستفسارات، ولكنكم تساعدونني في مرحلة مظلمة وشاقة من حياتي.
أنا أعاني من وسواس قهري شديد جدا، وقد أرسلت استشارة سابقة لكم، وكان الجواب كافيا، وساعدني كثيرا، ولكن ما زالت عندي مشكلة تخص هذا البلاء الذي أمر به:
فأنا بدأت في العلاج النفسي، ولكني أشعر بالسخط والغضب من البلاء، أشعر وكأن بيني وبين الله حواجز تمنع استجابة دعائي، وتمنعني من الشعور بالقرب منه، أخشى الله، وأريد الرضا بالقضاء والبلاء كرضائي بالفرح والنعمة، ولكن بداخلي شيء من اليأس والحزن الشديد على حالي.
بسبب كل هذا أصبحت أكره نفسي كرها عظيما، وأتمنى الخلاص حتى لو كان طريق الموت، أشعر بالتعب الشديد من كثرة البكاء، والخوف من الصلاة والوقوف فيها، حتى يؤلمني جسدي ويصبح لساني ثقيلا لا يستطيع نطق الكلمات كغيري من الناس، حتى إنني أشك في قيامي بالركن في الصلاة أثناء القيام به!
شعوري هو أن الله لا يريد مني صلاتي، وأنا أقاوم، ولكن أخشى أن تكون هذه هي الحقيقة، أكتب هذه الرسالة إليكم وأنا لا أعلم كيف سأصلي الظهر، وبي شك من صلاة الفجر، وأفكر في إعادتها.
هل ما أمر به غضب من الله تعالى؟ وإذا كان كذلك، فهل من الممكن الرجوع إلى الله بشكل صحيح يجعله راضيا عني؟ وكيف أعالج السخط الذي أشعر به، وكرهي للبلاء وشعوري بعدم الرضا؟ أنا فقط أريد أن أعبد الله عبادة ترضيه وتريح قلبي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Noor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله:
اعلمي أن كل شيء في هذا الكون يسير وفق قضاء الله وقدره، وما أصابك من الوسواس مقدر عليك من قبل أن تخلقي، وأنت لست المتسببة فيه، قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وفي الحديث الصحيح: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"، وفي الحديث الصحيح: "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة".
من أركان الإيمان: الرضا بقضاء الله وقدره، فرضاك بما قدر الله عليك يجلب لك الطمأنينة والسعادة، والتسخط والشعور بعدم الرضا ليسا جيدين، بل هما سبب لضيق الصدر، ففي الحديث القدسي: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".
لا داعي لأن تكرهي نفسك، وأنا على يقين بأن الشيطان الرجيم هو الذي يوحي إليك، ويبعث في نفسك هذه الكراهية، فأنصحك أن تتفاءلي، فالتفاؤل يبعث في النفس الشعور بالفرج، قال تعالى: {فإن مع العسر يسرا}، وقال نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
من علامات حب الله للعبد أن يبتليه، كما ورد في الحديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"، فعليك أن ترضي بهذا الابتلاء، وتخرجي منه وأنت ناجحة رابحة.
المؤمن يتقلب بين درجتي الشكر والصبر كما جاء في الحديث: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن"، ولا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي".
طالما أنك تصغين للوسواس وتحاورينه، فسيظل يشكك في كل فعل تفعلينه، حتى وأنت قائمة بالفعل، كما ذكرت: تكونين قائمة فيشكك أنك قائمة، والعلاج في هذه الحال: أن تلتفتي قليلا نحو اليسار، وتنفثي على تلك الجهة من دون ريق، ثم تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ولا تعيدي أي فعل. فإن فعلت ذلك فإن الشيطان ووساوسه سيندحران -بإذن الله-، وهذه وصية نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
شعورك أن الله لا يريد منك الصلاة ليس حقيقيا، بل هو من وساوس الشيطان؛ ليجعلك تتركين الصلاة وسائر العبادات، فلا ترجعي للوراء: لا في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الوضوء، ولا تعيدي شيئا قد فعلته؛ لا ركنا ولا صلاة ولا وضوءا؛ لأن هذا يغذي الوساوس، وذلك ما يريده الشيطان منك ليبقيك في دوامة.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وأحسني الظن به، ففي الحديث القدسي الصحيح قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله"، وعلاج الوسواس النافع الناجع هو عدم الإصغاء له، وعدم التحاور معه، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما جاءت الخواطر والوساوس، مع القيام من المكان الذي تأتيك فيه الوساوس، وعدم انفرادك بنفسك، بل عيشي مع أفراد عائلتك؛ لأن الانفراد يجلب الوساوس، وهذا هو أفضل علاج؛ لأنه الذي أرشد إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.
لا مانع من أخذ العلاج الطبي من طبيب نفسي حاذق، مع اتباع تعليماته بدقة، وعدم إيقاف العلاج، أو إنقاص الجرعة إلا بتوجيه منه، وما تمرين به ليس غضبا من الله عليك، وإنما هو ابتلاء، وأنت مأجورة على صبرك ومحاولتك الخروج من هذه المحنة، وجاهدي نفسك على القيام بما أمرك الله به، وبالمجاهدة ستصلين لمبتغاك، وهو رضا الله عنك، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
تحيني أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود، واسألي الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وأن يذهب عنك وساوس الشيطان، أكثري من دعاء ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، أكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الكربات، وكفاية الهموم، كما ورد في الأحاديث.
نسأل الله تعالى لك الصبر والشفاء العاجل، ونسعد بتواصلك.