السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 22 سنة، أعيش في إنجلترا، منذ سنة ونصف وفقني الله للتعرف على فتاة ملتزمة بدينها، ومن عائلة صالحة، كنت أنوي الزواج بها طلبا للستر والعفاف، خصوصا مع كثرة الفتن هنا، والفتاة وأهلها يرغبون في زواج شرعي بسيط، بلا حفلات ولا تكاليف، حتى مهرها قبلت أن يكون رمزيا.
المشكلة أن والدتي ترفض هذا الزواج؛ بحجة أنني لا زلت صغيرا، وأنها صرفت كثيرا على دراستي، وتريد أن أرد لها شيئا مما فعلته، وتصر على إقامة حفلة للخطبة والزواج بحضور الأقارب، كما تقول: إن أهل الفتاة بخلاء لأنهم يرفضون إقامة الحفلات، أما والدي فكان في البداية موافقا، ثم بدأ يميل إلى رأيها.
حاولنا أكثر من مرة ترتيب لقاء بين العائلتين، لكن والدتي أصرت أن يكون اللقاء الأول بسيطا بين الأسرتين فقط، وفي المقابل كان أهل الفتاة يريدون تيسير الزواج، بحيث يتم بعد اللقاء الأول عقد لقاء ثان قصير، يجرى فيه العقد بحضور بعض الأقارب، لكن بسبب هذا الخلاف تم إلغاء الموعد.
بعد ذلك طلبت أمي أن نقيم حفلا كبيرا، لكنني لا أملك المال الكافي، وأخشى أن أضع نفسي في دوامة الديون، إضافة إلى ما في مثل هذه الحفلات من منكرات واختلاط لا أرضاه، كما أنني أخشى أنه لو أقيمت حفلة صغيرة، فقد تطلب أم الفتاة حضور عائلتها، وبحكم العادات سيكثر التجمع، ويقع ما لا أستطيع السيطرة عليه.
الآن مرت سنة ونصف وأنا في هذه الحيرة: أريد الزواج الحلال البسيط كما يريد أهل الفتاة، لكن والدتي تمنعني، وتقول: إنني أقف في صف الفتاة وأهلها الذين تعتبرهم متشددين.
استفساري: ما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة؟ وهل يجب علي طاعة والدتي إذا أصرت على الحفلة أو رفضت الزواج؟ وهل يجوز أن أتزوج دون رضاها إذا لم يكن لها عذر شرعي معتبر؟ وهل عدم إقامة حفلة للخطوبة أو الزواج، فيه حرج شرعي؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ hgre حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن ييسر لك أسباب العفاف، ويعينك على إتمام الزواج، ويكفيك بحلاله عن حرامه.
أولا: نهنئك بفضل الله تعالى عليك حين وفقت للتعرف على هذه الفتاة الملتزمة بدينها، وهذه العائلة الميسرة، ونسأل الله تعالى أن يتولى عونك، وييسر لك إتمام زواجك.
ونصيحتنا لك: أن تتجنب مناقشة والدتك في رضاها بهذه الفتاة أو عدم رضاها؛ فهذه الفقرة من الموضوع ينبغي أن تتجاوزها، وأن تبني قراراتك على أن أمك موافقة على هذه الفتاة، لكن الاختلاف في مسألة إقامة الحفلات للخطبة والعرس، وإنما نقول هذا حتى لا توقع نفسك في الحرج الشرعي في بحث مسألة هل يجوز لك أن تتزوج فتاة لم توافق عليها أمك أو لا؟ فابن قراراتك على أن أمك لا تمانع من أن تتزوج هذه الفتاة، ويبقى الكلام بعد ذلك في طاعة الأم في إقامة هذه الحفلات أو لا، وفي تيسير أمور الزواج أو لا.
وهنا نقول: ينبغي أن تحرص على الحفاظ على هذه الفتاة وأسرتها، وألا تقطع حبال التواصل معها؛ حتى تتمكن من إرضاء والدتك في أن تقيم زواجا يتناسب مع قدراتك المالية.
فاستعن للوصول إلى هذا الهدف بكل من له تأثير على والدتك، من الأقارب، أو صديقات والدتك، أو نحو ذلك، كل من تظن أنه سيقف بجانبك ويعينك على إقناع أمك، استعن به، واستعن قبل ذلك بالله سبحانه وتعالى، وأكثر دعاءه أن يشرح صدر أمك للقبول والموافقة.
وكذلك استعن بأبيك، واحرص كل الحرص على إقناعه واستمالته إلى صفك، وبالاستعانة بكل من يمكن أن يؤثر على والدك، فإذا فعلت هذه الخطوة فتكون –إن شاء الله– قد قطعت شوطا كبيرا في علاج المشكلة.
فإذا باءت هذه الجهود كلها ورجعت بعدم تحقيق ما تتمناه وترجوه؛ فحينها نصيحتنا لك أن تحاول إتمام عقد الزواج دون إغضاب أمك، أي دون علمها، بحيث تضعها أمام الأمر الواقع، وأنك قد تزوجت الفتاة وأصبحت زوجة لك، وبقيت مسائل الاحتفال بالعرس فقط، وهذا كله حتى لا تقف الخلافات بعد ذلك سدا منيعا دون إتمام الزواج.
فإذا وجدت نفسك غير قادر على إقامة الحفلات التي تطلبها أمك، فإنه لا يلزمك أن تطيعها في ذلك، وليس من العقوق في شيء أن تخالف أمرها؛ لأن هذا النوع من الأوامر لا يجب امتثاله، ومخالفته لا يعد عقوقا، إنما مع هذا كله يجب عليك أن تحاول استرضاء أمك بكل ما تستطيعه من الكلام اللين، والتودد إليها، وإظهار حاجتك إلى الزواج البسيط، ونحو ذلك، فإن الله تعالى أمرنا بالإحسان إلى الوالدين مهما بلغت إساءتهما إلينا، فقال سبحانه: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
وأما سؤالك الأخير عن عدم إقامة حفل الخطبة والزواج، وهل فيه حرج شرعي؟ فالجواب: لا، ليس فيه أي حرج شرعي، وإنما الشرع أمر بإشهار الزواج، بأن يعلم به الناس، ومن ذلك الشهادة على العقد، فإذا أشهد شاهدين على العقد فقد استكمل أركان العقد، وبعد ذلك تستحب الوليمة والحفلة، ولا تجب.
وحصول الإشهار بما هو أكثر من الشهود في العقد مزيد تأكيد، وخروج من خلاف العلماء، فبمجرد أن يعرف الناس حولك أنك تزوجت بالفتاة الفلانية؛ فهذا فيه إشهار يكفي.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.