السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت مقصرا مع والدي المريض، وكنت أصرخ في وجهه وأتجاوز حدود الأدب معه، وفي بعض الأيام كنت أفعل له ما يريده، ولم أعتذر له عن تقصيري وأفعالي، ولا أعلم إن كان راضيا عني أم لا! ولكن في آخر أيامه في المستشفى كان ينظر إلي بوجه مبتسم.
أرجو الإجابة دون جرح النفس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يغفر لك، ويتوب عليك، ونشكر لك تواصلك بالموقع وسؤالك عما ينبغي أن تفعله بعد أن حصل ما حصل.
فالوقت لا يزال متسعا لإصلاح كل ما فسد، فإن كان والدك حيا -وهذا الاحتمال ضعيف، إذ قد فهمنا من كلامك أنه كان في آخر أيامه ينظر إليك بوجه مبتسم أنه قد توفي- فإذا كان لا يزال حيا فبادر الآن بالإحسان إليه واسترضائه، وطلب العفو منه عما مضى، وهذا أمر يسير.
أما عن الاحتمال الثاني: وهو الذي ظهر لنا من السؤال أنه قد توفي -رحمه الله تعالى- فنصيحتنا لك -أيها الحبيب-: أن تبر بوالدك وتحسن إليه بعد مماته، وأن تتوب إلى الله تعالى مما حصل منك مع والدك؛ فإن التوبة باب مفتوح، تفضل الله تعالى به على عباده، ورحمهم بفتحه لهم، وهو لا يزال مفتوحا حتى تصل الروح الحلقوم.
فبادر بالتوبة، والتوبة تعني: الندم على فعل المعصية، والإقلاع عنها -إذا كان مستمرا فيها-، والعزم على عدم الرجوع إليها، فإذا ندمت على ذنبك السابق فإن الله تعالى سيتوب عليك، فإنه وعد بذلك في كتابه الكريم، فقال سبحانه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وأخبرنا أنه {يحب التوابين}، وأخبرنا أنه يبدل سيئاتهم حسنات، وأخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى يفرح بتوبة التائب، والأحاديث والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
فأحسن توبتك، وأحسن ظنك بالله أنه سيقبل منك هذه التوبة، والتوبة إذا حصلت تمحو ما قبلها من الخطايا، فقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
هذا عن التوبة بينك وبين الله تعالى فيما حصل منك من تقصير في حق والدك.
وأما بر والدك بعد موته، فهذا باب مفتوح أيضا، وهو سهل يسير، وبعضه لا يتطلب منك كبير جهد ولا إنفاق، وهو: الاستغفار له، وكثرة الدعاء له؛ فإن هذا ينفعك ولا يضرك، وقد جاء في الحديث أن الإنسان يرى حسنات كثيرة في صحيفة عمله يوم القيامة، وترفع درجته في الجنة، فيقول: من أين لهذا؟ فيقول الله تعالى له: باستغفار ولدك لك (رواه ابن ماجه)، فالدعاء له ينفعه جدا، والاستغفار يفيده، فأكثر من الدعاء له والاستغفار.
وإذا كنت تتمكن من التصدق عنه فإن هذا باب عظيم من أبواب الخير، تحسن به إلى والدك، فإذا فعلت هذا فإنا نرجو الله تعالى أن يجعل في ذلك عوضا عما كان منك من تقصير في حقه في حياته.
والخلاصة -أيها الحبيب-: أحسن ظنك بالله، وخذ بالأسباب التي تنال بها رضا الله -عز وجل-، وحاول أن تحسن إلى والدك بقدر استطاعتك، فهو الآن في قبره بحاجة إلى إحسانك ومعروفك، وبحاجة إلى برك أكثر من حاجته إلى ذلك كله في حال حياته.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.