السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا حائرة وقلقة من أن أكون على خطأ، لأنني أبحث عن عمل، ولكنني أعيش في بلدة صغيرة، وأي فرصة عمل أجدها ستكون خارج البلدة، وفي الواقع أخي الأكبر يعارض فكرتي في الحصول على عمل؛ لأنه يفضل أن أبقى في المنزل، لكن أهلي يريدون مني أن أجد عملا، ليس من أجل الصرف على المنزل، بل من أجلي شخصيا، فأنا أصبحت في 27 من عمري، وربما لا أتزوج، حيث تقل فرص الزواج للفتاة عندما تصل إلى هذا العمر، لذلك يريدون مني أن أكون قادرة على الاعتناء بنفسي، إذا لم يكتب لي الزواج.
أنا أتفهم وجهات النظر من الطرفين، وأنا في الأساس أؤمن بأن مكان المرأة هو المنزل، وأعلم أن أخي الكبير قلق علي، خصوصا أنني أضطر أحيانا إلى الذهاب إلى تدريبات، والنوم خارج المنزل -بعد أن أتأكد من أن المكان آمن-، وهذا ما جعل أخي يغضب مني بشكل أساسي.
ولكنني دائما ما أفكر بأنه ربما إذا لم أجد عملا سينتهي بي المطاف في الشارع عندما أصبح أكبر سنا، ومع ذلك أؤمن أن ربي سيعتني بي ويرحمني، وأشعر بتأنيب الضمير عندما أفكر بهذه الطريقة.
ولكن أليس من حق المؤمن أن يسعى في حياته؟ إذا اضطررت لاحقا لترك العمل من أجل الزواج فلا بأس في ذلك، لكن هل من الخطأ أن أعمل لأنني قلقة من أن أكبر في السن ولا يوجد من يساعدني؟
حاليا أهلي يصرفون علي، لكنني لا أعلم ماذا سأفعل إذا كتب لي عمر ولم أكن أعمل، لا أريد أن يغضب مني أخي الكبير، وفي الوقت نفسه أعرف أن أهلي قلقون علي، ولهذا هم يدعمونني في إيجاد عمل، وهم أنفسهم يقلقون إذا لم أحصل على وظيفة، وأنا أيضا قلقة وأرغب في أن يكون لدي مصدر مالي لتأمين نفسي لاحقا، وحتى لا أصبح في الشارع.
لا أستطيع تأمين مستقبلي بأيدي إخوتي، فلا أعلم إن كانوا قادرين على الاعتناء بي دائما، كما أن أهلي سيغضبون إذا رفضت العمل، وأنا نفسي قلقة دائما، ولا أعلم أي الطرفين أرضي!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Yasmine حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الأخت السائلة: حياك الله، وشرح صدرك، وطمأن قلبك، وأسأل الله تعالى أن يرزقك راحة البال، وأن يلهمك القرار الذي يرضيه عنك، ويحقق لك الخير في دنياك وآخرتك.
بداية: ما ذكرته من خوفك من المستقبل، وحرصك على أن يكون لك ما تعتمدين عليه في حال تأخر الزواج أو تعذر، هو شعور طبيعي ومشروع، والشرع لم ينه المرأة عن العمل بإطلاق، بل قيد الأمر بالضوابط الشرعية التي تصون كرامتها وتحفظ دينها، قال تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة:105].
وهنا ألفت نظرك إلى ضرورة التوازن بين أمرين:
- من جهة أخيك: فإن دافعه هو الخوف عليك، والحرص على سمعتك وراحتك، وهذا مقصد حسن، وأمر يشكر عليه أخوك، ولا بد أن تثني على مشاعره تلك، وحرصه عليك.
-ومن جهة والديك: فإنهما ينظران إلى المستقبل، ويريدان لك أن تكوني قادرة على إدارة شؤونك إذا لم يتيسر الزواج، وهذا أيضا مقصد حسن لأي والدين حريصين على راحة أولادهم.
وأما من جهتك: فأنت تريدين أن تسلكي الطريق الوسط، فلا تفرطي في طاعة الله تعالى، ولا في رضا أهلك، مع الحرص على الاستقرار النفسي والاقتصادي الذي تحلم به أي فتاة.
ودعينا ننطلق بداية من التوجيه الشرعي:
1- وذلك ببيان أن عمل المرأة جائز؛ إذا كان في مجال مباح، وبشروط، منها:
- أن يكون في بيئة آمنة.
- التزام الحجاب.
- البعد عن الخلوة والاختلاط المحرم.
- وألا يترتب على العمل تضييع لواجب أعظم منه، مثل: الحفاظ على الدين، أو بر الوالدين.
2- لا حرج في أن تبحثي عن عمل خارج بلدتك إذا توافرت أسباب الأمان وظروف مناسبة، خاصة إذا كان بترتيب مع أهلك وبرضاهم، وأمنت فيه على نفسك.
3- القلق من المستقبل لا يعني ضعف التوكل، بل التوكل الحقيقي أن تجمعي بين حسن الاعتماد على الله تعالى، والأخذ بالأسباب، كما قال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾} [الطلاق: 2-3]، يقينا بالله تعالى لا يداخله شك أن الله تعالى يختار لك الخير، ويعلم ما هو أصلح لك، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون، لكن الأمر يحتاج إلى حسن ظن بالله تعالى، واليقين بما عنده، وبذل الأسباب.
وأنصحك ببعض الخطوات العملية تفاديا لمشكلتك هذه:
1- الحوار الهادئ مع أخيك: اجلسي معه جلسة مصارحة، وأخبريه أنك تتفهمين خوفه عليك، لكنك في نفس الوقت ترغبين في أن يكون لك مصدر رزق تحفظين به نفسك وكرامتك، ورغبتك في ألا تكلفيه فوق طاقته من النفقة وغيرها، مع التأكيد أنك لن تخالفي ضوابط الشرع، وأنك حريصة على ما يرضي الله تعالى، وادعيه لزيارتك في مقر عملك، أو اصطحابك بين فترة وأخرى؛ ليطمئن.
2- الوضوح مع والديك: بيني لهما أنك حريصة على طاعتهما ورضاهما، وأنك لا ترغبين في مخالفة أخيك، لكنك تبحثين عن المصلحة التي لا تعارض الدين، ولا تضر الأسرة، خاصة إذا وجدت في عملك ما يفتح لك باب فتنة، أو يصرفك عن تحقيق مراد الله تعالى ومرضاته من العمل.
3- اختيار العمل المناسب: فإن وجد عمل في نطاق بلدتك، أو قريب منها؛ فهو أولى، وإن لم يوجد، واضطررت للسفر أو المبيت، فاجعلي ذلك في أماكن مأمونة ومع صحبة مأمونة، وأنت ولا شك أدرى بذلك أكثر من أي أحد.
4- تحصين قلبك بالدعاء: أكثري من قول: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك؛ فمن اعتصم بالله تعالى هداه سبله، وأرشده طريقه.
5- التوازن النفسي: اجعلي نيتك أن يكون العمل وسيلة للعفة والكرامة، وخدمة نفسك وأهلك، وليس الخوف المجرد من المستقبل.
أختي الكريمة: عملك في ذاته ليس خطأ ما دام منضبطا بالشرع، لكن المهم أن يكون برضا والديك، وبحوار صادق مع أخيك؛ لتزول مخاوفه، اجتهدي في الجمع بين رضاهم وطمأنة نفسك، وتذكري أن رزقك مكتوب، وما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته.
هدأ الله قلبك، وأصلح حالك، وفتح لك أبواب الرزق الحلال، وجعل عملك بركة عليك وعلى أهلك.