السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أم لطفلين، ولدي خمس أخوات وأخ واحد، وضع والدي الاقتصادي ممتاز، لكنه بخيل معنا، وكريم في أمور أخرى، كان يحسب علينا القرش في احتياجاتنا الخاصة، لكنه يؤدي واجباته الاجتماعية غير المرتبطة بنا، تزوجت رجلا وضعه المادي محدود، فكنت أعاني عند أهلي بسبب بخلهم، والآن أعاني عند زوجي بسبب قلة دخله، ودائما ما تكون هناك مشاكل بيننا على المصروف.
والدي الآن يريد أن يرسل أخي الوحيد لدراسة الطب على حسابه في دولة أجنبية، مع أن معدله لا يسمح له، وأنا غير راضية عن ذلك، وقلت لوالدي: إن هذه زيادة غير عادلة علينا، وقلت له: إذا كنت تريد أن تعطيه كل مدخرات حياتك، فما الذي ستعطينا نحن؟ أنا وأخواتي فقيرات، فهب لنا نصف ما ستعطيه، أو دعه يدرس تخصصا يناسب معدله، كما فعل معنا، ونحن البنات لم نستفد من مال والدنا!
يقول لي أبي: لم أرتكب فعلا حراما، وإذا احتاج ابنه إلى المال ليصرفه على دراسته، يجب عليه أن يساعده، ويقول إنه ابنه الوحيد ويريد أن يدرس الطب، وأما نحن البنات فلما كنا في مرحلة الدراسة، كان يقول لنا: التخصص الذي يظهر اسمك به سوف تدرسينه بعثة على حساب المكرمة.
أنا غير راضية عن حياتي، ودائما أواجه مشاكل مع زوجي بسبب قلة المال، وأشعر أنني مظلومة في زواجي منه، وأريد أن أجد حلا لوضعي المادي، ولكن الطرق مسدودة في وجهي، وأجد نفسي دائما أغرق في التفكير، والتسخط على وضعي، وعلى تقصير أهلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يوسع لكم الأرزاق، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه.
أولا: نحن نتفهم مشاعر الضيق والهم الذي تعيشينها بسبب حالتك المادية، وحالة زوجك، ولكن نريد أن نضع لك الدواء النافع –بإذن الله تعالى- لهذا الهم؛ المزيل لهذا القلق، ونأخذه من مشكاة الوحي، وكلام النبوة، ففي كلام رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وفي القرآن من قبل ذلك، الدواء الشافي لهموم النفس وغمومها.
واعلمي أن أعظم الأدوية في هذا الحال هو أن يتفكر الإنسان، وينظر إلى من هم أقل حالا منه، ليعرف أنه مهما ساءت ظروفه؛ فإنه لا يزال يعيش نعما كبيرة أنعم الله تعالى بها عليه، فأنت تعيشين في نعم كثيرة، ربما تكونين في غفلة عنها لا تشعرين بها؛ ولذلك تجدين في نفسك هذا الضيق من عدم تحصيل ما تتمنينه من النعم الأخرى.
أنت متزوجة، وغيرك من النساء –لا يحصي عددهن إلا الله– تتمنى الواحدة منهن زوجا، وأنت مستورة الحال تجدين ما تأكلين وما تلبسين وأين تسكنين، وكثير من البشرية يفقدون هذه النعم كلها، أنت صحيحة البدن، في عافية، وغيرك ممن يتألم ويتوجع ويسهر الليل بسبب آلامه، وأعدادهم لا يحصيها إلا الله تعالى، وعلى هذا المنوال قيسي باقي النعم كلها.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى هذا الدواء العظيم، حين قال -عليه الصلاة والسلام-: "انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم".
فخففي عن نفسك هذه الهموم، واطردي عن نفسك هذا الضيق بهذا النوع من التأمل والتفكر، واعلمي أن الله تعالى قد قسم الأرزاق قبل أن نخرج نحن إلى هذه الدنيا، وقد كتب كل شيء في اللوح المحفوظ؛ فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة".
فإذا أيقنت أن كل شيء مكتوب، علمت أن الهم والحزن لن يغيرا شيئا من ذلك المكتوب، وقد قال الله في كتابه الكريم:{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذٰلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم}.
فإذا آمن الإنسان أن ذلك مكتوب، فإنه لن يأسى –أي لن يحزن- على الشيء الذي فاته؛ لأنه يعلم أن ما كتب الله تعالى له هو الذي سيأتيه، وما لم يكتبه الله لن يأتيه مهما حرص عليه.
ثانيا: كوني على يقين من أن الله يقدر هذه الأقدار بحكمة ولطف ورحمة وعلم، فهو لا يقضي شيئا سدى، ويقدر لنا سبحانه ما فيه لنا الخير، وإن كنا نكرهه؛ كما قال الله في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
في ظل كل هذه المعطيات ينبغي أن تفهمي أمورك وتدركي حالك، لتخففي عن نفسك هذا الضغط، وتعلمي أن الأرزاق لا بد منها، وأنه لن يموت أحد حتى يستكمل كامل رزقه؛ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن روح القدس -يعني جبريل- نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها".
ننصحك بأن تكوني راضية بعيشك، مساندة لزوجك، وأن تحثيه على الأخذ بأسباب الرزق؛ فإن هذا هو الطريق الصحيح: التوكل على الله تعالى، والأخذ بأسباب الرزق، والرضا بما يقدره الله، فهذا هو طريق السعادة، والسعادة شيء ينبعث من داخل الإنسان، ولا يستجلب من خارجه؛ السعادة في القلب، وليست في الأموال وحدها.
أما ما صنعه أبوك: فإنه لا يزال مستساغا في دائرة الخلاف الفقهي، ونفقات الدراسة ليست هبات، وليست محسوبة في العطايا التي يعطيها الأب لأبنائه وبناته حتى يلزمه التسوية بينهم؛ بل هي من النفقات، والنفقات تكون بحسب الحاجة والحالة.
ولهذا أنا أنصحك بأن تغضي الطرف عن تصرفات والدك، وأن تحرصي على بره والإحسان إليه، وأن تحاولي استمالته بالكلام اللين، وبالمبالغة في بره، والإحسان إليه، فإذا فعلت ذلك لعل الله تعالى يجعل في قلبه من الرأفة والرحمة ما يواسيك به، فإن وصلت إلى ذلك فالحمد لله، وإن لم تصلي فسيخلف الله تعالى عليك، ويعوضك خيرا مما تظنين أنه ذهب منك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.